+A
A-

مؤلفو إصدارات كلمات: نستلهم أفكارنا من بيئة الطفل لتحفيز خياله وتفكيره

يعتبر أدب الطفل مصدراً مهماً من المصادر التي يكتسب منها الصغار معارفهم، كما يعتبر من أهم الأدوات التي تسهم في تشكيل وعي الأطفال، وذلك لما يطرحه من نصوص إبداعية وتربوية تلبي رغبات الطفل، وتناسب مخيلته وتفكيره. وخلال العقدين الماضيين شهد العالم العربي موجة اهتمام كبيرة بأدب الطفل، بفضل جهود المؤلفين والرسامين والناشرين، لإنتاج أعداد كبيرة من العناوين الموجهة للأطفال واليافعين، بجانب إطلاق المسابقات الهادفة إلى تشجيع وتحفيز العاملين في هذا المجال على تقديم أفضل ما لديهم من إبداعات، وتزويد مكتبة الطفل العربي بأصدارات متميزة، شكلاً ومضموناً.

وقد التقينا نخبة من الكتّاب المتخصصين في أدب الطفل وهم فاطمة شرف الدين، ومهند العاقوص، وسمر محفوظ براج، وسناء شباني، وطرحنا عليهم عدداً من الأسئلة حول مفهوم أدب الطفل، والفئات العمرية التي يستهدفونها في كتاباتهم، ومصادر الإلهام لديهم.

مفهوم أدب الطفل

حول المقصود بمصطلح أدب الطفل قالت الكاتبة فاطمة شرف الدين: "هو كل أدب يتوجّه إلى الأطفال من سن الولادة إلى سن الثامنة عشرة، ويكون فيه الكتاب مصوراً بالنسبة للأعمار الصغيرة، كما يتكون من فصول أو رواية للأعمار المتقدمة من الطفولة، فلكل فئة عمرية خصائص مختلفة للنص والرسوم والإخراج، وكلما كانت السن أصغر كلما كانت الفكرة والنص والرسم أبسط".

بينما رأى الكاتب مهند العاقوص، أن أدب الطفل هو كل ما ينتجه التفكير الإبداعي من كلمات وصور وأشكال وحركات وتطبيقات، بهدف التواصل مع حواس وعقل وعاطفة الطفل، والتأثير فيها إيجاباً، عبر غرس أو تعديل أو محاكاة السلوكيات أو المشاعر في العقلين الواعي والباطن للطفل، معتبراً أن لأدب الطفل خصائص فكرية تنبثق من الهوية الثقافية والبيئية والاجتماعية، وأفضلها تلك التي تتسم بالإنسانية.

أما سمر محفوظ براج فرأت أن أدب الطفل هو كل ما يُكتب للطّفل سواءً كان شعراً أو نثراً، ويراعي خصائص الطّفولة واحتياجاتها، فيمتع الطّفل ويسلّيه، ويُنمّي فيه الإحساس بالجمال، ويحفّزه على التخيّل والإبداع، كما يساعد في بناء شخصيته، مشيرة أن لأدب الطفل أهداف عديدة من بينها تزويده بالمعلومات، ودفعه إلى التساؤل وتبني أساليب التفكير الإبداعي.

بدورها أشارت سناء شباني إلى أن أدب الطفل هو الإنتاج المُدوّن نثراً وشعراً، أو المرئي مثل المسرح والتلفزيون والسينما، أو المسموع، مضيفة الألعاب بكافة أنواعها إلى أدب الطفل، نظراً لأن هذا الأدب يتناول كل أنواع المعرفة والثقافة الموجهة للأطفال.

الفئات العمرية المستهدفة

وحول الفئات العمرية التي يستهدفها كل واحد من هؤلاء الكُتّاب، أشارت فاطمة شرف الدين إلى أنها كانت تُركز في بداية كتاباتها على الفئات العمرية ما بين 3-8 أعوام، قبل ملاحظتها للنقص الكبير في الكتب الموجهة للفئات العمرية حتى العامين، وما بين 8-18 عاماً، لتقرر بعدها الكتابة لهذه الفئات أيضاً، مؤكدة أنها تعتبر نفسها الآن تكتب لكل فئات الطفولة.

أما مهند العاقوص فقال: "سبق لي أن كتبت لكل المراحل العمرية التي تمر بها الطفولة، من الطفولة المبكرة إلى اليافعين والناشئة، وساعدتني في ذلك قدرتي على كتابة الأدب بأنواعه المختلفة، من قصة وشعر ورواية ومسرح وسيناريو".

من جانبها لفتت سمر براج إلى أنها تكتب للطّفولة المبكرة من سن 3-6 أعوام، والطّفولة المتوسطة من سن 6-9 أعوام، والطّفولة المتأخرة من سن 9-12 عاماً، ولليافعين حتى سن 18 عاماً، مشيرة إلى أنها اختارت الكتابة لجميع المراحل العمرية لكونها ترغب في الوصول إلى كل الأطفال بمختلف مراحلهم العمرية، كما ترى أن الكتابة لكل مرحلة لها متعتها الخاصة.

وقالت سناء شباني: "أكتب إلى أكثر من فئة عمرية، حيث كتبت للأطفال من سن 5-7 أعوام، ومن 8-11 عاماً، ومن 12-14 عاماً، ومن 15-18 عاماً، والطفولة بالنسبة لي هي عالم ساحر ورائع ويحتاج إلى دعم كبير من الكبار حتى يمر الطفل في كل المراحل العمرية بتفاؤل ونشاط ومعرفة، وليكون أكثر استعداداً للمراحل العمرية المقبلة.

مصادر الإلهام في الكتابة

وحول مصادر الإلهام في الكتابة، قالت فاطمة شرف الدين: "في رأيي الكاتب هو فنان، وعلى الفنان دائماً أن يُكون ملماً بكل تفاصيل الحياة المحيطة به، وأنّ يراقبها ويستخدم كل حواسه لاستيعابها. ما يلهمني بالأفكار الجديدة لكتبي هو مراقبة كل ما حولي من أحداث وأخبار، حين ألتقي بأطفال وأتحدث معهم، واستمع إليهم، أقرأ لهم وألعب معهم، وأحياناً أقف جانباً وأراقب تفاعلهم مع بعضهم، ومع الكبار من حولهم، هذه مصادر أساسية تمد مخيلتي بأفكار جديدة، أُعالجها فيما بعد في الأدب الموجه للأطفال، هذا بجانب ذكريات طفولتي، وأحداث ومشاعر حدثت معي في الماضي".

أما مهند العاقوص فقال: "إن ما يلهمني هو حاجة الذاكرة للتشجيع أولاً، ففي طفولتي كنت بائعاً متجولاً، وأذكر مساءات كثيرة قضيتها في الأسواق جائعاً متعباً أعتصر نفسي من البرد، حين أكتب أضع في ذهني ذلك الطفل كي أسليه في وحشته فيرتاح وترتاح ذاكرتي، والإلهام بالنسبة لي متعدد، من بينه رغبتي الأكيدة بمستقبل يشبه ما وصلت إليه الكاتبة السويدية استريد ليندغرين"، مضيفاً: "إن إعمار الأرض مهمة بشرية وهذا أيضاً يلهم لفعل ذلك عبر الكلمات".

من جانبها قالت سمر محفوظ براج: "مصدر إلهامي الأوّل هو طفولتي، إضافة إلى الأطفال أنفسهم، ومواقف تحدث معي في حياتي اليومية، ففي كتاباتي أحياناً قد انطلق من حادثة بسيطة جرت معي في طفولتي، أو حدثت مع أحد الأشخاص أو الأطفال الّذين أعرفهم، وأحيانًا  قد يكون مجرد التفكير في موضوع معيّن أود الكتابة عنه مصدر إلهام لي".

أما سناء شباني فقالت: "مصادر أفكاري متعددة منها خبراتي الشخصية، وخياري في أن أكون كاتبة قصص في أدب الطفل، والأطفال أنفسهم هم جزء كبير من إلهامي، بجانب الأسئلة التي يطرحها الأطفال، وخصائصهم العمرية، وقدراتهم، ومخاوفهم، وأفراحهم، وميولهم، لتيسير التواصل ما بينهم وبين أفراد عائلتهم، وجيرانهم، ورفاقهم، والغرباء، المختلفين عنهم والمتشابهين معهم، إضافة إلى حقوقهم كأطفال، ورغبتي في إضفاء جو من التسلية يستمتعون به، وغيرها من المواضيع تعتبر مصادر إلهام لي في الكتابة".

مواضيع الكتابة

أكدت فاطمة شرف الدين أن معظم المواضيع التي تعالجها في كتبها هي مواضيع اجتماعية ونفسية تتعلّق باهتمامات وحاجات وهموم الطفل العربي، وبالمقابل شدد مهند العاقوص على صعوبة حصره للقضايا التي يتطرق لها في كتاباته، مؤكداً أنه كتب في موضوعات متعددة منها قصص تربوية سٌردت على ألسن حيوانات، وقصص سلوكية في أدب ذوي الاحتياجات الخاصة، والخيال العلمي، والأدب التاريخي والديني والاجتماعي وغيره.

أما سمر براج فقالت: "معظم المواضيع التي كتبت عنها هي إما مواضيع من واقع الطّفل وقريبة منه، أو مواضيع تربوية أخرى أسعى من خلالها إلى ترك أثر في نفسه أو دفعه إلى التساؤل والبحث والتّفكير، وذلك من خلال نص يستمتع به الطّفل، ومن المواضيع التي كتبت عنها، المهن، والحيوانات الأليفة، والهوايات، والغيرة، وسرطان الأطفال، والصّداقة، وغيرها".

من جانبها قالت سناء شباني: "تطرقت في كتاباتي إلى مواضيع عديدة، وحصلت على فرص في الكتابة بمجلات أطفال متعددة، منها "توتة توتة" الصادرة عن دار الحدائق، وتستهدف الصغار جدًا، ومجلة "أحمد" للناشئة، التي تصدر عن دار الحدائق أيضاً، ومجلة "العربي الصغير" التي تصدر عن وزارة الإعلام في الكويت، ومجلة "نور و نورا"، وأتاح ذلك لي الكتابة في مجالات وقضايا متنوعة".

الإقبال على أدب الطفل

وحول مدى الإقبال على أدب الطفل العربي اليوم قالت فاطمة شرف الدين: "اليوم هناك وعي عام في معظم الدول العربية بأهمية الكتاب في حياة الطفل، فقد تضاعفت جهود المنظمات والمؤسسات التي تعنى بأدب الطفل، وترويجها لهذه الكتب ودعم إنتاجها وتوزيعها، كما نجد اليوم العديد من المدارس التي تُنشئ مكتبات صفيّة وتخصص أوقاتًا للقراءة الحرة، بعيداً عن البرنامج التعليمي". فيما قال مهند العاقوص: "أصبح أدب الطفل اليوم من أفضل ما ينتج في عالم النشر العربي، ويكاد ينافس الرواية قيمةً، حيث تنبه الجميع لأهميته ودوره في بناء وتطور المجتمعات".

من جانبها قالت سمر براج: "شهد أدب الطّفل في عالمنا العربي خلال العقدين الماضيين قفزة نوعية، وذلك من خلال المواضيع المطروحة، والاهتمام المتزايد بالرسوم والإخراج، كما أن هناك ازدياداً في عدد كتّاب الأطفال والرسّامين، ودور النّشر التي تهتمّ بنشر كتب الأطفال، فضلاً عن الإقبال على تنظيم المعارض الخاصة بالطّفل، وتخصيص جوائز لكتب الأطفال".

وأضافت براج :"شخصياً ألاحظ الإقبال الكبير على هذا النّوع من الأدب من خلال اهتمام المدارس في لبنان والدول العربية باستخدام أدب الأطفال لتعليم اللّغة العربية وتحبيب الأطفال فيها، ومن خلال الاهتمام باستضافة الكتّاب ليلتقوا بالأطفال ويقرأوا عليهم قصصهم، إضافة إلى تقديم ورش كتابة قصص للأطفال، وخصوصا في عدد من المدارس المعروفة بتركيزها على اللّغات الأجنبيّة".

بدورها قالت سناء شباني: "أرى أن المستوى العربي في إنتاج قصص الأطفال جيّد جداً من نواحي متعددة، فقد أصبح لدينا كتاباً في أدب الأطفال ورسامين متخصصين وموهوبين، وأصبح لدينا دور نشر متخصصة في إنتاج قصص الأطفال والناشئة على مستوى يضاهي الإنتاج العالمي، وانتقلنا من ترجمة القصص إلى تأليفها لتحمل لمسات خاصة بثقافتنا وتنقل التراث وجوانب الحياة القريبة من الطفل".

وأضافت شباني: "نحتاج إلى دراسات بحثيّة أكاديميّة تقيس كل ما يتعلّق بعالم النشر والمكتبات وأنشطتها،  والقصص، والكتابة، والرسم، والطفل الذي يتلقى الأدب، ونشر هذه الدراسات لتصل بسهولة إلى جميع المعنيين بأدب الطفل، وبعيداً عن الدراسات والأبحاث لا أستطيع أن أقوم بأي تقييم يتعلّق بقياس نمو أدب الطفل وتطوره".