العدد 3383
الخميس 18 يناير 2018
banner
أوطان تتداعى من الإفلاس
الخميس 18 يناير 2018

وتتداعى إليه التصدعات والشروخ كما تتداعى الأكلة إلى القصعة، جسم يبدو أنه شاخ، أو نهشته الأمراض منذ مئات السنين، وبقي يترنح راصداً لحظة واحدة يقاوم فيها تهاويه، وقعر الهاوية بعيد للآن، ولا يدرى متى يرتطم فيها الجسد الممتد على رقعة العالم القديم، محتلاً القلب من المشهد الجغرافي، والمشهد التاريخي المنقلب.

أينما أشحت بوجهك سترى مشهدا شبيها مما عنه التفتّ... الغلاء، والجوع، والتجويع، والجهل، والتجهيل، والفقر، والإفقار، والتنافر، والتنابذ، والتململ، والتباغض، والتعالي الأجوف على بعضنا البعض، واختلاق المشاكل، والسكن، والبطالة، واليأس، والصحة، والأدوية منتهية الصلاحية، والأطعمة الفاسدة، وتسخير الأوطان لخدمة “شلّة” أطراف أصابعها هنا، وما كنزته من ثروات منهوبة، واستثمارات، ومنشآت، ومنتجعات.

وكأنّ الدنيا تواصل غضبها منّا، مستاءة قلبت لنا ظهر المجنّ، وتركت هذه الدول كديدان عمياء تتخبط، تقرصها الفاقة، وتُعمل السِّنان عملها في جسدٍ الضَّربُ فيه حرام، لا لأنّه ميّت، بل لأنه جسد لا يستحق كل ما يجري له، ففي أوطاننا من الخيرات ما بقي يُسرق آلاف السنين، وعبر سلسلة من الأنظمة الناهبة بوحشية وعشوائية، نهب من لا يعتقد أنه لا يترك لمن يأتي بعده يوماً ليعيش على الأرض العربية، يهجمون كما الجراد، وقد تخلّوا عن حذر قطّاع الطرق، أما أسماء السرقات فهي كثيرة جداً، وما إن يبهت اسم قديم من أسماء النهب، التي ما إن يهترئ واحد حتى جددوه بمسمى آخر، ولا يزال في هذه الأوطان ما يُسرق، يا له من عجب.

أوطان تجتهد في طرد أبنائها وركلهم إلى الخارج، وتشجيعهم للذهاب بعيداً من دون عودة، دفعاً بالمطالبين بالصحة والتعليم والسلع النظيفة والعدالة والمساواة، حتى يتخففون منهم، وعلى الرغم من ذلك فإن أبناء هذه الأوطان الكالحة بطبقاتها المسيطرة، يتشبّثون بها لا يطيقون عنها رحيلاً، وترى أعينهم تفيض من الدمع حينما يحاول المِحشّ عبثاً أن يحشّ عشبهم، ويقتلع جذورهم، وترى أعينهم تفيض من الدمع إذ هم لا يطيقون فراقاً عن محلّهم الذي يتسمّون باسمه، وتهوي أفئدتهم إليه.

هذه الأنظمة لا تحتاج تعليم المواطنين كيف يحبون أوطانهم، ولماذا يحبونها، فهل من أحد يدرَّس كيف يحبّ أمه؟ أو يسأل لماذا يحبها ويعشقها وإن لم تكن أجمل نساء الكون؟ فالمحبّة إن دخلت في علم الرياضيات، انتهت إلى صحّة الجواب أو عدم صحته. ليس على الشعوب تعلُّم محبة أنظمتها، فالواجب أن تتعلم الأنظمة محبة شعوبها، كيف تقّدرهم وتؤمن بهم وتنهض بهم لينهضوا بها ويتجاوزوا هندسات المؤسسات المالية الدولية التي لا تعرف إلا حلاً واحداً، وهو تأليب الجماهير على الحكومات من خلال سياسات فرض الإتاوات حتى يضجّ الناس، وينجو السارقون الحقيقيون، وتعمّ الفوضى... فما من بلد عربي يعاني الاضطرابات بسبب الأوضاع الاقتصادية في المقام الأول، إلا وتقف العلاقة الشوهاء منتصبة شاهدة على الانفصالية بين الجمهور وحكومته.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .