العدد 3403
الأربعاء 07 فبراير 2018
banner
طقس موسكو وطقس عفرين (1)
الأربعاء 07 فبراير 2018

بعد أن نجح الحزب الشيوعي الروسي في الانقلاب على السلطة في أكتوبر  1917، رفع هذا الحزب شعار وحدة الطبقة العاملة، وتحول إلى حزب أممي يسعى لتكريس سلطة الطبقة العاملة بجميع أنحاء العالم، وسرعان ما تأسست فروع لهذا الحزب في عدة دول، منها الدول العربية التي نشأت فيها تدريجيا أحزاب شيوعية موالية لروسيا، ومنها العراق، وكانت هذه الفروع تعتبر الحزب الشيوعي بالاتحاد السوفيتي الملهم والنصير لنضال الطبقة العاملة، وربطت نفسها بالآيديولوجيا الأممية والتوجيهات الصادرة من المركز الرئيسي بموسكو، حتى راجت وقتها نكات طريفة بالنسبة للحزب الشيوعي العراقي، حين تندر العراقيون بذيلية الحزب الشيوعي العراقي قائلين “إن شيوعيي العراق يرتدون المعاطف السميكة في عز الصيف بالعراق على اعتبار الطقس في موسكو ماطرا وباردا”! وحين تأسس حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا على يد مشيل عفلق ورفاقه، سرعان ما تم فتح فروع له في بعض البلدان العربية، منها العراق، ثم لبنان واليمن والسودان وبلدان أخرى، ونجح هذا الحزب في تنفيذ انقلابين بكل من سوريا والعراق في بداية الستينات، وكاد يقود انقلابا آخر في السودان لكنه أخفق، وأعتقد أنه مازالت هناك بقايا لهذه الفروع في بعض البلدان حاليا وتحت مسميات متعددة.

وفي مصر بعد نجاح ثورة يوليو بقيادة جمال عبدالناصر، انتعشت آمال القومية العربية وأصبحت الناصرية آيديولوجيا قومية تلتزم بها بعض القوى السياسية العربية، ومازالت هذه الآيديولوجيا موجودة على الساحة السياسية العربية وتمارس دورها في إطار الدولة. وحين تأسس الحزب الشيوعي في العراق بالأربعينيات، لم تلجأ السلطة الملكية حينذاك إلى تصفية أعضائه على اعتبار أنهم عملاء لموسكو أو مرتبطون بأجندات خارجية، صحيح أن بعض قيادات الحزب حوكموا وقسم منهم تم إعدامه، لكن الدولة لم تشن الحرب على تنظيماته بحجة موالاتها لموسكو، بل على العكس أجيز هذا الحزب بشكل رسمي من قبل الدولة، بل ساهم أيضا في قيادة الدولة أثناء حكم عبدالكريم قاسم. وحين جاء حزب البعث إلى العراق، شارك ممثلوه في السلطة وتسلموا وزارات ومناصب رفيعة بالدولة وتمتع أعضاؤه بحرية العمل السياسي بإجازة من الحكومة، ثم تمكنوا من الوصول إلى السلطة في انقلاب 8 شباط 1963، ولم تلاحقهم السلطات الجمهورية على اعتبار أنهم موالون لحزب عفلق في سوريا، وهكذا الحال في البلدان الأخرى التي تأسست فيها فروع البعث مثل لبنان واليمن والسودان، ومنذ وفاة عبدالناصر لم تلاحق السلطات المصرية التنظيم الناصري، بل تمتع هذا التنظيم بالحرية والاحترام لدى السلطة والشعب، ومازال الناصريون يسيطرون على جزء من المشهد السياسي بهذا البلد. إذا، مسألة الموالاة والانتماء الآيديولوجي، مسألة عادية وليست تبريرا للاضطهاد والقمع وشن الحروب الخارجية، فهناك حتى أحزاب إسلامية تدين بآيدولوجيات تعود إلى عشرات القرون ولا حرج في ذلك. السؤال هو لماذا تشن تركيا هذه الحرب ضد فروع حزب العمال الكردستاني أو الموالين لآيديولوجيته بذريعة حماية الأمن القومي لتركيا، كما يتجلى ذلك بوضوح في الحرب الدائرة حاليا بمدينة عفرين؟. “إيلاف”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية