العدد 3417
الأربعاء 21 فبراير 2018
banner
وَخْـزَةُ حُب د. زهرة حرم
د. زهرة حرم
انفخْ.. انفخْ.. حتى تصدق نفسك!
الأربعاء 21 فبراير 2018

نعيش اليوم العصر الذهبي للفقاعات، أو البالونات، أو سموها (نفافيخ الألقاب)،  كل يوم يطلع علينا أفراد بألقاب ومسميات يلصقونها بشخصياتهم، ويلزموننا بتردادها، نحن لا نتكلم عن ألقاب العائلات، أو أسمائها، بل نتكلم عن ألف لام (العالم، والرائد، والشاعر، والكاتب، والرئيس، والزعيم، والمدرب، والكوتش، والناقد، والناشط السياسي، والاجتماعي... وحدِّث ولا حرج، ولا هَمّ، ولا اكثراث!
نتحدث عن كاتب للشعر؛ كتب شعرا ممجوجًا، مُهلهلا، ألقاه في أمسية ما، فإذا به يُلصق لقب الشاعر على نفسه، نتحدث عن كاتب لمقال في صحيفة، لقّب نفسه بعد ثلاث مقالات بالكاتب الصحافي، نتحدث عن طالب علم – أيًا كان هذا العلم – يُسمي نفسه بعد بحث واحد يتيم؛ الباحث... نتحدث عن متدرب حضر محاضرتين في تطوير الذات؛ تحول في ليلة وضحاها إلى المدرب!
ما هذا؟ ارحموا عقولنا! ما هذه الظاهرة المتفشية الأليمة، التي تكاد تفتك بكل ما هو أصيل؛ فالغث طغى على السمين، والصالح أصبح غير مرئي وسط غثاء الطالحين! كيف نصدق أنفسنا بهذا القدر، فنحمِّل أنفسنا ألقابا ما أنزل الله بها من سلطان علينا!؟ لم نسعَ السعي المطلوب، ولم نكدّ، أو نجتهد... بل إن الأدهى والأمرّ أن الشهادات العليا أضحت في المتناول؛ بفضل حفنة من الدنانير أو الدولارات، والنتيجة؛ الدكتور والبرفوسور!
لا ندري هل نكيل التهم إلى الفرد، ونصفه بالغرور الشخصي الفاضي، أم أنها المجتمعات نفسها، أصبحت بلا ذوق، ولا نظر، ولا تمحيص؛ تقبل المهترئ، والهزيل، وتصفق له، وتدعوه في كل المناسبات، وتنفخ في لقبه؛ لنحصد في النهاية بالونة على وشك الانفجار، تفرقع في كل الفعاليات، علّ الهواء المنفوخ؛ يخرج بسلام!

قد نلقي اللوم على الشخصيات الحقيقية، التي تحمل هذه الألقاب بجدارة واستحقاق، والتي تنكمش في سراديب كتبها، وأوراقها بعيدًا عن الناس؛ منتظرة من الدولة أو من الجهة الرسمية أو الأهلية؛ دعوةً رسمية تحمل طابع الاعتراف بجهودها الجبارة، هذه الفئة – بشكل أو بآخر – مسؤولة عن استفحال هذه الظاهرة، وهي السبب في تنامي شراذم المتفيقهين، والمتثيقفين، والمتشيعرين، وغيرهم!
للمجتمع الكلمة الأولى والأخيرة، فالألقاب ليست مرمية في الطرقات، ينتشلها الرائح والغادي، و(كل من جا ونجر)... إنها عصارة جهود، وأوقات مضنية من العمل والتفكير، إنه من المعيب أن تُوهب – مجانًا - لغير أهلها، والأكثر معيبا أن يقبلها مَنْ لا يستحقها!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية