العدد 3434
السبت 10 مارس 2018
banner
“جهة الشعر” ومعادلتنا المعكوسة (2)
السبت 10 مارس 2018

عدت مجلة “كلمات” إضافة نوعية لما كان موجودا في الساحة الأدبية على المستوى العربي، فإذا كان مفهوماً أن مجلات من هذا النوع تلعب دوراً تعريفياً بالأدب والثقافة في بلدانها،  فإن “كلمات” تجاوزت هذا الدور بتحولها إلى منبر أدبي عربي، لهذا كنا نقرأ بعض افتتاحياتها موقعة بأسماء مثل الراحل حسين مروة والشاعر أدونيس والمغربي محمد بنيس وغيرهم، ناهيك عن مساهمات أدباء وشعراء عرب في أبواب المجلة الأخرى.

كان لعلاقات قاسم حداد مع الشعراء والمثقفين العرب دور في هذا بلا شك، وعودة إلى ذلك التساؤل الآنف حول ما تقدمه المجلات الأدبية ومحتواها فإن قيمة المحتوى الذي كانت تقدمه “كلمات” هو ما سيبدو غالباً عصياً على الفهم أو التقدير، ذلك أن لدينا مشكلة قديمة متجددة - تعبير مخفف عن عبارة “تبدو مشكلة متصلة بالجينات” - في فهم قيمة “ما لدينا” و”ما بأيدينا” و”النتاج المحلي” وتقديره بالشكل الصحيح، اللهم إلا إذا نال شهادة أو اعترافاً على نحو ما من خارج ما.

تتمة القصة أن “كلمات” توقفت أخيراً عام 1991 أو 1992 تقريباً ولم يشفع لها شيء لكي تستمر، فالمثقفون لم يروا فيها ما يدفع لبذل قليل من العناء (مقابل آخر لعبارة “تستحوذ عليهم سلبية من النوع القاتل”) لإبقائها موجودة ولم ترى فيها أية مؤسسة رسمية أو مستثمر ما يستحق الدعم لكي تستمر.

تكررت القصة مع موقع “جهة الشعر”، قاسم حداد من جديد وبالكثير من المثابرة والصبر، تحول الموقع خلال سنوات قليلة من انطلاقه إلى أهم موقع للشعر في العالم، لم يكن منبراً بحرينياً أو عربياً للشعر والأدب، بل بالأصح أهم منبر عالمي للشعر والرواية يديره ويشرف عليه شاعر بحريني وشركة تقنيات بحرينية، لكن على عكس معادلة التقدير المحلية المعكوسة تلك، لم تنفع عالمية الموقع ولا محتواه الذي لا يضاهى في قيمته، في إمكانية استمراره بعد عشرين عاماً.

ليست هناك أسرار، فالمثقفون الحقيقيون لا يعرفون كيف يحصلون على المال بل كيف يبدعون أدبا وفنا، ومشكلة تقدير الأدب والثقافة والفكر ستبقى قائمة بأشكال متغيرة من وقت لآخر، ويبدو وقتنا الراهن أسوأها لأنه “عصر التفاهة بامتياز”. كثيرون لا يعرفون أن تجارب مثل هذه تقف خلفها تضحيات كبيرة من الأفراد الذين يقفون خلفها وسط سلبية قاتلة من الآخرين (على نحو مؤكد، هي مقابل الآية الكريمة: “اذهب أنت وربك فقاتلا”). وما هو غير معروف أيضا أن مشروعات كهذه، مجلات أدبية أو فكرية أو مؤسسات ثقافية أو فنية، نشأت واستمرت في مجتمعات الرأسمالية المتوحشة - والرأسمالية اللطيفة أيضا - بفضل “الوقفيات” الثقافية التي تبدو مثل اختراع لم يصلنا بعد.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .