+A
A-

"فكر16" يواصل أعماله لليوم الثاني في دبي

واصلت فعاليات مؤتمر "فكر16" المٌنعقد تحت رعاية    الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي "رعاه الله" بعنوان "تداعيات الفوضى وتحدّيات صناعة الاستقرار" أعماله اليوم (الأربعاء) في فندق غراند حياة بدبي، والذي شهد مشاركة عشرين خبيراً من أرجاء الوطن العربي في جلسات عمل بحثت موضوع جذور الفوضى وأسبابها ومظاهرها ونتائجها.

وركزّت جلسات المؤتمر الأربع في مضمونها على الأسباب المختلفة للفوضى، والتي تمحورت حول "الفقر والتفاوت والبطالة" و"اختلال العمل السياسي"، و"التدخّلات الخارجية"، و"التطرّف والإرهاب".

اختلال آليّات العمل السياسي

وتناولت جلسة "اختلال آليات العمل السياسي" العوامل السياسية وتقصير المؤسّسات المعنية في التعبير عن المطالب الشعبية وضعف المشاركة العامّة فيها، حيث اعتبرت الدكتورة فاديا كيوان أنّ العمل السياسي يتمحور حول إدارة الشأن العام الوطني والشؤون الدولية ذات الاهتمام المشترك لكلّ الشعوب، مبيّنة أسباب عدم الاستقرار العائدة إلى أحداث سبتمبر 2001 وتصاعد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. واعتبرت أنّ معالجة هذا التصدّع تكمُن في إعادة التواصل بين الحكّام والشعوب، مؤكدة على

وتوقّفت كيوان عند المشاركة السياسية وتنشيط المؤسّسات المعبّرة عن رأي الناس ومصالحها كالنقابات، لأنّ دور المجتمع المدني لا ينبض إلّا في مناخ الحرّية، داعية إلى اعتماد الشرعة العالمية لحقوق الانسان كأساس لتحديث التشريعات وتطوير القوانين، وإلى عقد اجتماعي يُمتّن العلاقة بين الحكّام والشعب. 

من جانبه، رأى الدكتور عبد الحسين شعبان أنّه كلّما انحدر الكلام على السياسة ازدادت الحاجة إلى إيلاء اهتمام أكبر بها كعلم. وتوقّف عند تحدّيات الدول العربية والإسلامية، مختصراً أهمّ التحدّيات التي تُواجهها، ومنها الشرعية السياسيّة وأحد مظاهرها ما أُطلق عليه "الربيع العربي" وقد جلب معه الفوضى، ثم الحداثة السياسية والكوابح التي تعترض طريقها من جانب الثقافة التقليدية السائدة والمؤسّسة الدينية، والمواطنة الحيويّة والجامعة التي تندرج بعنوانها: مبادئ الحرّية والمساواة والعدالة.

وأكمل شعبان مداخلته موجّهاً سهامه إلى الفكر التكفيري والإرهابي بمدارسه المختلفة، سواء اتّخذ اسم داعش أو تنظيم القاعدة، ثم الأمّية والجهل والكوابح التي تمنع انخراط المرأة والشباب في العمل السياسي والاجتماعي، إلى ضعف مشاركة المجتمع المدني الذي لم يتحوّل إلى قوّة اقتراح وظلّ يعمل كـقوّة احتجاج.

ورأى الدكتور باقر النجّار أن العالم العربي يُحاط بأمم ومجتمعات، استطاعت تجاوز كبواتها وإخفاقاتها الاقتصادية والسياسية، وتحديداً مجتمعات شرق آسيا وبعض المجتمعات الأفريقية وأميركا اللاتينية"، مشيراً إلى أنّ هذه الأمم فرضت نمطاً جديداً من العلاقة مع الخارج سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً.

ورأى النجّار أنّ الحديث عن التنمية المفقودة في المنطقة يرتبط بالحديث عن الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان، مُعرباً عن اعتقاده بوجود عوامل داخلية وخارجية جعلت من حالة التيه، بنيوية، إضافة إلى مؤشَّرات المرحلة الحالية، لمعظم مجتمعات العالم التي تتصارع مع متغيّراتها وأبرزها، صعود اليمين في أشكاله المختلفة الذي يحكم معظم المجتمعات الغربية وأميركا، والتفجّر الهوياتي الذي يؤرّق كثيراً من الدول، فضلاً عن عولمة الإرهاب كظاهرة تضرب كل دول العالم وأقاليمه، والأزمات الاقتصادية والسياسية للمجتمعات الأفريقية، وتفجّر المجتمع العراقي والسوري والليبي، واستمرار الأزمة الصومالية، ثم الصعود القوي للصين وروسيا ولربما الهند على الساحة الدولية.

من جانبه، قدّم الدكتور عمّار جفّال قراءة في الخطاب الاحتجاجي لما يُسمّيه بـ"الانتفاضات الشعبيّة" التي بدأت في تونس وامتدّت إلى دول عربية أخرى، متوقّفاً عند المعوّقات المشتركة للعمل السياسي في العالم العربي. واعتبر أنّه مهما كانت المواقف من هذه الحوادث والأوضاع  المأساوية التي آلت إليها، فقد التقت جميعها على طرح مشترك لمجموعة مطالب وقضايا، ظلّت على امتداد عمر الدولة العربية المعاصرة، عائقاً منيعاً أمام الممارسة السليمة والسلميّة لآليات العمل السياسي، وهي الديمقراطية بأبعادها الأساسية المتعارف عليها، ومسألة الأقليّات والهويّات الفرعية التي شكّلت عاملاً أساسياً ضمن الحياة السياسية للعديد من البلدان، فضلاً عن الفساد وآثاره المدمّرة على التنمية وسلامة الحياة السياسية.

وانتقدت الدكتورة ناجية الوريمي ضعف مفهوم "المواطنة"، لافتة إلى أنّ الواقع العربي يشهد اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، تحوّلات وتطوّرات مُربِكة، تُطرح على المثقّفين والخبراء وصُنّاع القرار تتطلّب مقاربات واعية بضرورة الوقوف على مختلف العوامل والأوضاع التي جعلت طريق النهوض العربيّ متتالي العقبات، لعلّ آخرها عقبة "الفوضى" و"الاضطراب" و"اللانظام".

وركّزت الوريمي في مداخلتها على جملة قضايا ترتبط بمظاهر الاختلال وأسبابه بدءاً باللّامبالاة بالشأن السياسي، خصوصاً عند فئات الشباب والمرأة، وصولاً إلى استعمال الشباب لوسائل التواصل والتعبير الجديدة التي وفّرتها الثورة الاتّصاليّة، عوضاً عن استعمال الآليّات الكلاسيكية في التعبير عن الموقف السياسي.

التدخّلات الخارجية

تناولت جلسة "التدخّلات الخارجية" الدور التركي والإيراني في النزاعات العربية من خلال سعيهما للتدخّل في الشؤون الداخلية العربية، فضلاً عن دور الكيان الصهيوني في استغلال وضع المنطقة من خلال توسيع دائرة الاستيطان والسيطرة على الأراضي الفلسطينية المحتلة. 

رأى الدكتور مصطفى البرغوثي أنّ ما يحكم الصراعات والاتّفاقات في عصرنا الحاضر هي المصالح، معتبراً أنّ المواجهة مع إسرائيل هي الأخطر بين الدول الإقليمية والدول العظمى (الصين، الولايات المتّحدة، روسيا)، على اعتبار أن طموحاتها لا تقتصر على فلسطين، مؤكّداً أنّها تستفيد من الخلافات العربية العربية، ولا تريد حلّاً وسطاً مع العرب بل تطبيعاً كاملاً من دون مقابل.

ودعا البرغوثي الدول العربية إلى رفض ما يقوم به الرئيس الأميركي من دعم للاستيطان وتشريعه وتغذية التوتّرات التي زادت منذ اعتلى سدّة الرئاسة الأميركية. كما دعا إلى دعم المقاومة الشعبية والتكامل بين الفلسطينيين، الذين أدركوا أنّ المراهنة على حلّ من خلال الولايات المتّحدة لن يتحقّق. 

ورأى الدكتور ناصيف حتي أنّ هناك قوّتين جارتين للنظام الاقليمي العربي (إيران وتركيا)، استيقظ لديهما الدور الإمبراطوري، فقرّرا العودة إليه بعناوين واستراتيجيات مختلفة. وأكّد أنّ النظرة العقائدية والاستراتيجية لديهما، أسهمت في تلك العودة الجديدة، معلّلاً ذلك بوجود فوضى إقليمية تعيشها المنطقة، لافتاً إلى أنّ المنطقة العربية تعيش منذ عشريّتها الأولى، حالةً من الفراغ أدّت إلى انتشار الإسلام السياسي (تنظيماً وفكراً وثقافة) في مدارسه المختلفة على حساب العروبة السياسية، ممّا أسهم في شرعنة تلك القوّتين. 

وتحدّث الدكتور محمد الشيخ بيدالله في مداخلته عن مدى إمكانية مقاربة الفوضى وما يقع الآن أمام أعيننا من دون العودة إلى اتّفاق سايكس بيكو، ومؤتمر برلين لتقسيم أفريقيا، ومؤتمر الصخيرات لتقسيم المغرب، ووعد بلفور المشؤوم. وأكّد أنّ تفاعلات هذه الأحداث وتداعياتها المدمّرة لم تنتهِ بعد، فهي زعزعت الهويّات، وكسرت النفسيات والسيكولوجيات عند كثيرٍ من الشعوب، وتولّد عنها في الجانب الآخر، الإنسان الغربي المنتصر حضارياً والمعتزّ بانتصاره إلى حدّ التعالي.

وأوضحت الدكتورة ابتسام الكتبي رئيسة مركز الإمارات للسياسات في أبوظبي أنّ التدخّلات الإيرانية والتركية في النزاعات العربية، ستكون من الملفّات الأساسية التي ستناقشها القمّة العربية التاسعة والعشرون التي ستستضيفها المملكة العربية السعودية في 15 الشهر الجاري في الظهران.

ورأت الكتبي أنّ هذا التدخّل يعكس تزايد الأخطار التي يتعرّض لها الأمن القومي العربي، فهناك تدخّلات إقليمية تستهدف النَيل من أمن الدول العربية واستقرارها، تأتي من قِبل إيران وإسرائيل وتركيا، ومن الأهمية بمكان، ومن أجل مواجهة هذه التدخّلات والتحدّيات، العمل على استعادة كلّ ثقلٍ عربيّ ممكن.

ورأت الكتبي أنّه على الرغم من تصاعد التفاؤل بتطوّر الوضع في العراق نحو مزيدٍ من الاستقرار والهدوء والإعمار، فإنّ الانتصار العسكري على "داعش"، لم يؤدِّ إلى تفكيك المليشيات الشيعية العراقية المرتبطة بمشروع الهيمنة الإيراني، وأيّ حديثٍ شكليّ عن تفكيكها أو إدماجها في المؤسّسات الأمنية العراقية لا يتوافر، حتى الآن، على الإقناع الكافي بزوال خطر الأيادي الإيرانية في العراق.

وأكّدت الكتبي أنّ ثمّة فراغ سياسي وأمني في ليبيا وسوريا واليمن، والأمل معقودٌ بأنْ يستعيد أيضاً الصومال عافيته، وأمامنا مسؤولية جسيمة لمواجهة الفوضى والتدخّلات الخارجية في المنطقة العربية، أهمّها بذل المزيد من الجهود لحماية الشعب السوري، وإيجاد مساحة لإعادة إنعاش الحوار السياسي بين مختلف أطيافه. وفي ما يتعلق بلبنان، أشارت إلى أنّ التوجّه السعودي-الإماراتي  يكون بدعمِ مؤسّسات الدولة، وهذا يعني عدم بناء سياسة خليجية إزاء لبنان على أساس ما يصدر من مواقف عدائية عن حزب الله أو غيره.

وتحدّث محمد بن صقر السلمي عن تدخّل دول الجوار العربي وتأجيج الصراعات العربية، واعتبر أنّ إيران تأتي على رأس دول الجوار المؤجّجة للصراعات الداخلية العربية. ورأى أن إيران تقوم بدورٍ أساسي في الصراع السوري الداخلي، وتُزكّي التباعد السنّي الشيعي بين الفصائل العراقية، وتُصدّع البنية الوطنية اللبنانية عبر سياسات حزب الله التابع لها. أمّا على صعيد الصراعات العربية الخارجية، فهي تعمل على زيادة التباعد بين قطر والدول العربية الأربع الرافضة لدعم الإرهاب، وزيادة تواجدها الاقتصادي والسياسي في قطر، والعمل على إنشاء تحالف معها يضمّ غيرها من الدول الخليجية. ورأى أنّ تركيا تأتي في المرتبة الثانية بعد إيران، فهي تؤدّي الدور ذاته في سورية وإن كان على الجبهة الأخرى، وتدعم فصائل الإخوان المسلمين في كلّ من مصر وليبيا وتونس، وتتبنّى الموقف الإيراني نفسه من الأزمة القطرية.

وأكّد على إمكانية مواجهة التدخّل الخارجي من خلال خمس خطوات، أوّلها العمل على تقوية النسيج الاجتماعي الداخلي وتقوية الجبهة العربية، وثانياً سدّ الثغرات التي من خلالها يتسلّل الآخر إلى داخل الدول العربية، وثالثاً تجريم الطائفية والإرهاب وعدم الانسياق خلف الدعوات الطائفية التي تخدم المشروعات الخارجية. ورابعاً تجريم الولاء العابر للحدود، وخامساً الإصلاح وتحقيق المشاركة المجتمعية.

وتحدّث الدكتور نبيل العربي الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عن خطورة الإرهاب العشوائي الذي تعانيه المنطقة العربية، مستشهداً بقولٍ لبن غوريون مفاده أن "قوّة إسرائيل ليست فحسب بأسلحتها بل بالفوضى في الدول العربية". ولفت إلى أنّ إسرائيل رفضت مبادرة السعودية في العام 2002، وهي تعتمد سياسة الاستفادة من الوقت. وختم بالقول إنّ المطلوب اليوم هو الحكم الرشيد في الدول العربية.

الفقر والتفاوت والبطالة

وناقشت الجلسة الثانية بعنوان "الفقر والتفاوت والبطالة"، والتي أدارتها نائب المدير للشؤون الإدارية في جامعة السوربون في أبو ظبي الدكتورة فاطمة الشامسي الأسباب الاقتصادية التي تخلق البيئة المؤاتية للفوضى والاضطراب وقضايا الفقر والحرمان النسبي، والبطالة وانخفاض مستويات المعيشة والتفاوتات الاقتصادية.

وعرضت مديرة الجلسة إحصاءات عامّة عن الفقر في الوطن العربي، تبعها مناقشة الدكتور جاسم المناعي عضو مجلس إدارة بنك لبنان والمهجر في البحرين السؤال الأساسي حول العلاقة بين الفقر والتفاوت والبطالة من جهة، والفوضى والاضطرابات من جهة أخرى؟

وأكّد المناعي أنّه لا يمكن استبعاد عامل الفقر عن أسباب الفوضى في المنطقة، ولكنّه ليس العامل الوحيد فثمّة عوامل أخرى مثل عدم تطوّر الأنظمة السياسية بما يكفل الحرّية والتسلّط والاستبداد والتوتّرات العقائدية والمذهبية، وحتى في البلدان المتقدّمة، فإنّ تهميش فئة معيّنة تسبّب احتجاجات شعبية. وحذّر المناعي من مسألة التفاوت بين الأغنياء والفقراء وهي مشكلة أساسية عامّة على الرغم من الجهود الجبّارة المبذولة، مشدّداً على ضرورة وضع أنظمة ضريبية مناسبة تخفّف التفاوت. 

وقدّم الدكتور خالد أبو اسماعيل مداخلة تفصيلية عن تحدّيات التنمية في الدول العربية، مقسّماً إياها إلى منظورين أوّلهما رواية تقليدية تعتبر جذور الفوضى غير مرتبطة بالأسباب الداخلية، ورواية أخرى لا تعتبر جذور النزاعات مرتبطةً بالسياسات الاقتصادية وضعف الحوكمة.

وأوضح أبو اسماعيل أنّ الرواية الأولى تشير إلى تحقيق الدول العربية نموّاً اقتصادياً جيداً نسبياً، ونسب فقر وعدم مساواة منخفضة، وتستنج أن جذور النزاعات ليست في الأساس لأسباب داخلية تتعلّق بمجمل نتائج السياسات الاقتصادية في العقدين الماضيين، وقصور في الحوكمة، ولكن لأسباب أخرى تتعلّق بالسياسة الإقليمية والدولية. أما الرواية الثانية فتستند إلى إحصاءات أقلّ تفاؤلاً تقارن بين الأرقام الاقتصادية العربية والأرقام العالمية، لتجدها عند مستويات مقلقة وخصوصاً البطالة، ومشاركة الشباب في سوق العمل، ومشاركة النساء، والتفاوت في الدخل الذي يعتبر الأعلى عالمياً. وتؤكّد هذه الرواية أنّ نسب الفقر في بعض الدول العربية كبيرة حتى إنّه في بعض المناطق في السودان والصومال وموريتانيا ثمّة مناطق تشهد مستويات فقر مدقع تتطلّب تحرّكاً طارئاً. لذلك تخلص هذه الرواية إلى أنّ جذور النزاعات تكمن في السياسات الاقتصادية وضعف الحوكمة.

ورأى أبو اسماعيل أنّه في حال صدقت الرواية الأولى فلا حاجة إلى الإصلاحات الجوهرية، لأن السياسات الحالية كافية مع بعض التعديلات السطحية. أمّا إذا صحّت الرواية الثانية، فهناك حاجة إلى إصلاحات جوهرية في السياسات الاقتصادية والحكم الرشيد، على غرار ما تدعو إليه الإسكوا في تقريري الفقر العربي والسياسات المالية.

ورأت الدكتورة رولا دشتي أنّ الفوضى وعدم الاستقرار والإحباط في عالمنا العربي وتراكم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، كالفقر والبطالة وتفاوت توزيع الدخل، هي نتيجة تضافر مجموعة أسباب، منها أنظمة غير مؤمنة بالإصلاح، وسوء إدارة حكومية، وضعف مؤسّسات وغياب الحوكمة الرشيدة، والفساد والمحسوبية، والنظام الاقتصادي غير الفاعل، واعتماد القطاع الخاص على الحكومة، وقوّة عاملة غير مؤهّلة.

ورأت دشتي أنّ المجتمع العربي يدفع ثمناً باهظاً جرّاء كلّ ذلك، منتقدة امتلاك المنطقة العربية موارد طبيعية ضخمة (50% من النفط الخام في العالم و30% من الغاز الطبيعي و45% من الفوسفات و200 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة)، وهي تُعتبر سابع اقتصاد في العالم، في حين 40% من سكّانها فقراء و40 مليون عربي يعيشون في فقر منهم 50 مليون طفل، و90 مليون عربي متأثّرين بالحرب و60 مليون عربي لا يكتب ولا يقرأ.

وشدّدت دشتي على ضرورة التزام الأنظمة بالإصلاح الاقتصادي والاجتماعي للخروج من هذه الأزمة، ومكافحة الفساد والمحاسبة والحدّ من المحسوبية، وتطوير نظم الإدارة العامة واعتماد الحوكمة الرشيقة ووضع سياسات شاملة ومستدامة، تأخذ بالاعتبار حماية مصالح المواطن.

التطرّف والإرهاب

أما الجلسة الثالثة التي عُقدت بعنوان "التطرّف والإرهاب" فناقشت العوامل التي أدّت إلى ظهورهما وانتشارهما وتداعياتهما الاجتماعية والأمنية والسياسية، وتضمّنت مداخلات للدكتور والباحث حسن مَدن من البحرين، وسفير جمهورية السودان لدى المملكة الأردنية الهاشمية ودولة فلسطين والأمين العامّ الأسبق لمنتدى الفكر العربي في عمّان الدكتور الصادق بخيت الفقيه، وأستاذ الفلسفة في جامعة الملك الحسن الثاني في المغرب الدكتور عبد الإله بلقزيز، ومؤسّس ورئيس مركز الخليج للأبحاث الدكتور عبد العزيز بن صقر، والأستاذة في جامعة منوبة في تونس الدكتورة والباحثة آمال قرامي.

ورأى الدكتور حسن مَدن أنّ ظاهرة العنف تجتاح عالمنا العربي، ويبلغ حدّ الحرب الأهلية في بعضها، مشدّداً على أنّ هذا السيناريو يهدّد بلداناً أخرى، تعاني مواجهات واحتقانات أمنيّة وسياسية حادّة. ورأى أنّ ثمة ترابطاً وثيقاً بين العنف السياسي والاجتماعي والثقافي. وشدّد على أنّ التعصّب هو موقف فكريّ وسياسي مبني على تعبئة نفسيّة خاطئة. وأكّد أنّ الدعوة إلى التسامح والاعتدال، هي واجب يقع على عاتق الجميع مهما تعدّدت تلاوينهم الفكرية، لمواجهة الهاوية التي تندفع إليها مجتمعاتنا، داعياً إلى  ردّ الاعتبار للعمل الإصلاحيّ الإسلاميّ والتنويريّ، ونبذ التطرّف والتعصّب، وتعلّم القُدرة على التعايش مع الأفكار الأخرى.

واعتبر الدكتور الصادق الفقيه أنّ التطرّف والإرهاب ليسا مجرد قنابل وإطلاق نار وقتل جماعي، بل مشكلة مفاهيم وسلوك، عازياً عدم اتّفاق الجميع على تعريف موحّد للإرهاب إلى ما يصفه بـ"النفاق السياسي". ودعا مؤسّسات الدولة والمجتمع لإيجاد معالجات فكرية وأيديولوجية، تستدعي خطّة عقلانية طويلة المدى، لمواجهة التطرّف والإرهاب بجانبيهما المادّي والمعنوي، معتبراً أنّه لن يُهزم التطرّف والإرهاب إذا أبقت مؤسّسات الدولة والمُجتمع رؤوسها في الرمال. فالتطرّف والإرهاب القديم والجديد ليس له دين، والعالم كلّه يواجه هاتين الظاهرتين، بإجراءات تصل إلى مستوى الحرمان الاجتماعي والنفسي، وهو ما يؤدي إلى العزلة، والانفصال عن المجتمع وتوسيع الفجوة بين التكفيريّين وأهدافهم.

ورأى الدكتور عبد الإله بلقزيز أن مفهومي التطرّف والإرهاب، ليس بينهما تلك الصلة التي نتخيّل أنها موجودة بل هناك صلة اتّصال وانفصال بينهما. واعتبر أنّ الغلوّ في التفكير لا يرتّب حكماً التعبير عنه مادياً وقتالياً وبشكل مسلّح، وأنّ أسباب الإرهاب أوسع مدى من تلك التي تولّد التطرّف. ولفت بلقزيز إلى أنه عند تناول العوامل التي تؤدّي إلى التطرّف، علينا تجنّب النظرة التي تختزل منظومة العوامل في عاملٍ واحد، وهذه العوامل قد تكون اقتصادية أو سياسية أو ثقافية. 

وتوقّف بلقزيز عند ظاهرة التهميش والإقصاء الاجتماعيين، مؤكّداً أنّ التجربة أثبتت أنّ الكثير من المتطرّفين ينتمون إلى بيئات اجتماعية ميسورة، معتبراً أنّ غياب الديمقراطية للتعبير عن المطالب والمصالح، تجعل الناس تبحث عن ملاذات أخرى، والدين واحد من  تلك الملاذات. أمّا العامل الثالث هو أزمة النظام التعليمي والتربوي والثقافي في المجتمع العربي، حيث تحوّلت المدارس والجامعات إلى مصانع لتوليد التشدّد والتعصّب والانغلاق، معتبراً أن هناك أجيالاً نشأت على هذه الثقافة.

من جهته قدّم الدكتور عبدالعزيز بن صقر مداخلة اعتبر فيها أنّ الفوضى في المنطقة العربية ظهرت منذ حوادث ما يُسمّى بثورات الربيع العربي، لكنها كانت موضوعة في سيناريوهات مسبقة تقع ضمن توجّهات السياسة الأميركية. ودعا إلى ضرورة الحفاظ على ما تبقّى من دول المنطقة والحيلولة دون الزجّ بها في أتون الفوضى، وتفعيل العمل الجماعي العربي المشترك، وتفعيل دور جامعة الدول العربية، وتقوية المصالح الاقتصادية بين الدول العربية، والتعاون الأمني الفعّال، وإيجاد صيغة فعالة للتعاون العسكري والاستخباريّ بينها، وتحديث المنظومة الإعلاميّة العربية بما يجعل الإعلام العربي أكثر وعياً للحفاظ على الحدّ الأدنى من التماسك والتعاون، وتنسيق السياسة الخارجية للدول العربية، وتحديد مفهوم واضح للأمن القومي العربي والإرهاب والإرهابيين، والعلاقات العربية الإقليمية. وختم بالقول إنّ تحقيق ذلك يتطلّب إدراكاً عربياً جماعياً للمخاطر، والأخذ في الاعتبار التحدّيات التي تهدّد الوجود العربي نفسه.

وتحدّثت الدكتورة آمال قرامي عن السياسة الواجب اعتمادها للحدّ من ظاهرة انخراط النساء في التطرّف العنيف، ورأت أنّ دواعي التحاق الفتيات والنساء بالجماعات المتطرّفة، تختلف باختلاف السنّ والطبقة الاجتماعية والمستوى التعليمي والثقافي والانتماء الجغرافي. وأشارت إلى أنّ النساء اللواتي انتمين إلى القاعدة يختلفن في تصوّراتهّن ورؤيتهنّ للجهاد عن اللواتي انضممن إلى تنظيم داعش، مشيرة إلى أنّ أسباب الانضمام للجماعات المتطرّفة تتطلّب التعمّق في حياة الفرد وبنيته الذهنيّة وسلوكه وتركيبته النفسيّة. ورأت أن وضع سياسة لمكافحة التطرّف العنيف والوقاية من مخاطره ليست منفصلة عن تبنّي سياسة مناهضة التمييز ضدّ النساء، كما أنّ مكافحة التطرّف العنيف يجب أن تجمع بين الطرح الأمني والتربوي والتعليمي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي والديني والإعلامي.