+A
A-

قطاع الصيرفة الإسلامية في البحرين .. تحركات واعدة وتوقعات مبشرة

جاءت استضافة مملكة البحرين لمؤتمر "أيوفي" السنوي الدولي الـ16 للهيئات الشرعية ليؤكد التطور الكبير الذي يحققه قطاع الخدمات المالية في مملكة البحرين، ودورها الريادي في قيادة العمل المصرفي الإسلامي بشكل خاص، حيث تتخذ "هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية" المنظمة للمؤتمر من البلاد مقرا لها، وتنطلق من فوق هذه الأرض الطيبة القواعد والمعايير الأساسية المنظمة للصناعة المالية الإسلامية في العالم ككل.

وقد ناقش المؤتمر الذي استمر على مدار يومين وبحضور ممثلي العديد من الدول والبنوك والعلماء المتخصصين التحديات التي تؤثر على مستقبل الخدمات المالية الإسلامية، وكيف تقف حجر عثرة أمام عمليات اتساعها ورواجها، خاصة مع بروز نجاحات هذا القطاع، وجدوى مواصلة العمل فيه، وتزايد رقعة انتشاره في الكثير من الدول، ومنها الدول الغربية ذاتها، التي تُخصص الكثير من وحداتها المصرفية - وهي الأشهر في العالم - خدماتها للجاليات المسلمة المقيمة لديها، ومنها بريطانيا التي يوجد بها وحدها نحو 22 مصرفا تؤدي هذا النوع من الخدمات المالية.

وقد اكتسب المؤتمر الذي أنهى أعماله قبل أيام أهميته من أمرين: الاول: تزايد التوقعات بنمو قطاع الصيرفة الإسلامية بوتيرة أسرع من الصيرفة التقليدية، وذلك بحسب خبراء تحدثوا في جلسات المؤتمر، والثاني: من اتجاه المناقشات التي سادت بالمؤتمر والمخرجات التي أسفرت عنه، واستهدفت التأكيد على مدى التوافق بين خدمات قطاع الصيرفة الإسلامية مع المعايير السائدة لـ "اللجنة الدولية للإشراف والرقابة على المصارف" المعروفة باسم "بازل" التي أُنشئت في سبعينيات القرن الماضي، وأقرت حتى الآن 3 إطارات لتعزيز الاستقرار المالي والمصرفي العالمي.

بيد أن الأهمية الأكبر للمؤتمر الأخير ترجع إلى ما يمثله بالنسبة للبحرين كمركز للخدمات المالية الإسلامية، والنفع الذي يمكن أن يعود عليها من وراء نتائجه المهمة، وهو ما يمكن تسليط الضوء عليه بالنظر إلى: حجم قطاع الصيرفة الإسلامية ذاته في المملكة، الذي يشكل حيزا كبيرا من إجمالي قطاع المصارف في البلاد بعدد 26 مصرفا، كما تقرب نسبة أصوله حسب تقارير من 30 % من إجمالي موجودات قطاع البنوك والخدمات المالية في البحرين بنهاية الفصل الـ 2 من عام 2017.

وتبرز هنا مؤشرات النمو الملحوظ لهذا القطاع خلال السنوات الأخيرة في المملكة إلى درجة باتت فيها البحرين محورا مصرفيا إقليميا وعالميا في قطاع الخدمات المالية الإسلامية، وإحدى أكبر الدول المضيفة للمؤسسات العاملة في هذا المجال في المنطقة، وتوصف باعتبارها سوقا رائدة للسندات الإسلامية (الصكوك).

وبحسب دراسات صادرة عن الأمانة العامة لاتحاد المصارف العربية في أغسطس ونوفمبر 2017 الماضي، فإن البحرين تعد الأولى عربيا من حيث عدد المصارف المدرجة على قائمة أكبر 60 مصرفا إسلاميا بعدد يصل إلى 11 مصرفا.

كما أن البحرين تحتل المركز الخامس من حيث مجموع موجودات هذه البنوك الـ 11 الواقعة ضمن القائمة بقيمة تقدر بـ 54 مليار دولار، ويوجد بالمملكة 5 بنوك إسلامية كبرى ضمن قائمة أكبر 1000 مصرف في العالم بحسب رأس المال الأساسي لعام 2016.

وقفز حجم موجودات قطاع الصيرفة الإسلامية الإجمالية حسب موقع مصرف البحرين المركزي من 1.9 مليار دولار أمريكي عام 2000 إلى نحو 26.7 مليار دولار في يناير 2018، ما يعكس الاهتمام الكبير بهذا النوع من الخدمات المالية الذي تقدمه مؤسسات الصيرفة الإسلامية في مملكة البحرين.

وتبدو أهمية هذه المؤشرات بالنظر إلى التصاعد الملحوظ في عدد البنوك الإسلامية العاملة في دول العالم أجمع، والتي وصلت إلى 172 مصرفا مع 83 شركة إسلامية أخرى في البنوك التقليدية، ونجاحها في توظيف نحو 380 ألف شخص في شتى أرجاء العالم، وتزايد موجوداتها التي تقدر بأكثر من 2.3 تريليون دولار حتى أواخر 2015، ويُتوقع أن تقفز إلى 4 تريليونات دولار عام 2020.

والأمر ذاته بالنسبة لواقع هذ النوع من المصارف العامل في الدول العربية، حيث يوجد 155 مصرفا عربيا إسلاميا بالكامل تصل إجمالي موجوداتها بنهاية الفصل الثاني من العام 2017 إلى نحو 603 مليار دولار، أي ما يمثل 20% من إجمالي الأصول المصرفية العربية.

والمهم هنا أن جزءا كبيرا من هذه الصناعة يتركز في منطقة دول التعاون الخليجي، والبحرين في القلب منها، حيث إن هناك 51 مصرفا إسلاميا تعمل بالكامل في دول مجلس التعاون، وقدرت موجوداتها بنهاية الفصل الثاني عام 2017 بنحو 542 مليار دولار، وهو ما يمثل 90% من إجمالي موجودات المصارف الإسلامية العربية.

ولا شك أن نمو هذا القطاع بالعالم والمنطقة العربية عامة ودول الخليج بشكل خاص يخلق فرصا كبيرة لنمو وازدهار الخدمات المالية الإسلامية في البحرين ، وذلك بالنظر إلى الدور المحوري الذي تقوم به البحرين لتطوير هذه الصناعة، واستيعابها لعدد كبير من مؤسساتها، التنظيمية منها والخدمية.

وفي هذا الشأن، يبرز هنا دور البحرين الريادي التي تعمل كمركز القلب في رسم سياسة هذا النوع من المصارف، ووضع قواعد خدماته الرئيسية، إذ تستضيف المملكة "هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية" المشار إليها سلفا والمنظمة لمؤتمر "أيوفي"، والتي أصدرت حتى الآن 100 معيارا في مجالات المحاسبة والمراجعة وأخلاقيات العمل والحوكمة، وبما يتوافق مع المعايير الدولية المعمول بها.

كما تستضيف البحرين "مركز إدارة السيولة" و"السوق المالية الإسلامية الدولية" و"الوكالة الدولية الإسلامية للتصنيف" وشركة "دار المراجعة الشرعية"، وهي المؤسسات التي تسهم جميعها في تطوير الصناعة المالية الإسلامية في دول العالم أجمع، وتعمل بالتعاون والتنسيق الكامل مع الأجهزة الرقابية والإشرافية المعنية لمواجهة أي عقبات قد تواجه تقدمها، هذا بالإضافة إلى أن العام الماضي شهد انطلاقا من أرض البحرين، إطلاق أول "اتحاد تكنولوجيا مالية إسلامية" على مستوى العالم للبنوك الإسلامية بهدف تسريع إطلاق حلول التكنولوجيا المالية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية.

ويمكن القول إن دور البحرين الأبرز يتجلى في جهودها للدفع بمقومات الصناعة المالية الإسلامية، وذلك كجزء من استراتيجيتها لتطوير قطاع الخدمات المالية عموما، إذ بات هذا القطاع علامة مميزة من علامات الاقتصاد الوطني، ويمثل قاطرة النمو في البلاد، وأحد أهم مستهدفات خطتها لتنويع النشاط الاقتصادي.

والمعروف هنا أن عدد المؤسسات المالية والمصرفية في المملكة بلغ 393 مؤسسة بحسب بيانات المصرف المركزي المنشورة في إبريل 2018، وتسهم هذه المؤسسات بحسب تقارير بنحو 17.5% من الناتج المحلي الإجمالي، ويعمل بها 14 ألف موظف يشكل البحرينيون منهم 65.3 %.

كما ارتفعت موازنة الجهاز المصرفي البحريني في فبراير 2018 إلى نحو 192 مليار دولار مقارنة بـ 186 مليار دولار نهاية 2016، وبلغ إجمالي الودائع في بنوك التجزئة نحو 17.5 مليار دولار مقارنة بـ 16.5 مليار دولار في نفس فترة المقارنة.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، إذ تسهم البحرين بشكل فاعل في تنظيم واستضافة الفعاليات الرئيسية لصناعة الخدمات المالية الإسلامية، فإضافة إلى مؤتمر "أيوفي" الأخير، فقد كانت البحرين في ديسمبر 2017 الماضي ملتقىً لأكثر من 1300 قائد من قادة وصناع الصيرفة والتمويل الإسلامي والسياسات المالية في العالم، وذلك ضمن فعاليات الدورة الـ 24 للمؤتمر العالمي للمصارف الإسلامية.

ونظم أحد البنوك الوطنية مطلع هذا الشهر الملتقى الثاني للتعريف بعمليات البنوك الإسلامية، تحت عنوان "البنوك الإسلامية بين المعايير الشرعية والقوانين المطبقة"، وذلك بغرض البحث في سد الفجوات بين القوانين المحاسبية تحديدا المعمول بها، محليا ودوليا، والمعايير الشرعية.

وستستضيف البحرين في 22 إبريل 2018 المقبل "مؤتمر وجائزة المسؤولية المجتمعية للمصارف الإسلامية الثاني لعام 2018"، والذي يستهدف تسليط الضوء على دور هذه المصارف في التعاطي مع المجتمعات التي توجد بها وأزماتها المالية.