+A
A-

جدلية الترجمة العلمية والتطور المعرفي في ابوظبي

ضمن فعاليات مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة في دورته السادسة على هامش معرض أبوظبي الدولي للكتاب الذي يُقام تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في دورته الثامنة والعشرين، والذي يستمر لغاية 1 مايو 2018، في مركز أبوظبي الوطني للمعارض في أبوظبي، وتحت عنوان "الترجمة العلمية والتطور المعرفي"

الجلسة الأولى:

جاءت الجلسة الأولى منها بعنوان "إبداعية المترجم في المصطلح العلمي" والتي تناولت الإبداع في الترجمة العلمية واختلافها عن ترجمة العلوم الإنسانية والآداب العالمية، وصفات مترجم النص العلمي ومعاجم المصطلحات العلمية وصلاحيتها في عالمنا" بمشاركة كل من الروائي شكري المبخوت، محمد الخولي، الأستاذة الدكتور هيفاء أبو النادي، عبد الله المعمري وأدارها فيصل العبد الكريم، حيث استعرض محمد الخولي تاريخ الترجمة في الحضارة العربية الإسلامية، وصولاً إلى القرون المتأخرة، وكيف شكلت هذه الترجمة، منذُ بيت الحكمة، نهضة لهذه الأمة، التي ضيّعت أخيراً تراثها العظيم، وأضاعت تراث بيت الحكمة، أما الروائي والمترجم شكري المبخوت، فأشار إلى أنّ النص العلمي نصٌ نمطي، ودلالاتهُ أحادية، إذ إنّ العلم يقوم على التصريح، لا على التأويل، ورأت الدكتورة هيفاء أبو النادي، أنّ "هناك العديد من المصطلحات العلمية التي ليس لها مقابلٌ في القواميس العربية، وهذا يتطلبُ من المترجم أن يبحث ويقرأ ليجتهد في ابتكار مصطلح عربي مقابل"، و"أنّ ترجمة النص العلمي في حاجة إلى جعل الناتج مكثَّفاً ومترابطاً إلى حدٍّ كبير. إذ إنه مكثف ومترابط إلى حد كبير في اللغة المنقول منها. فمثلاً الفرق كبير بين أن نقول "يسيل الماء" و"الماءُ سائل." أو "يوصل الماء" و"الماء موصِل." فاستخدام الجملة الاسمية هُنا كفيلٌ بأنْ يكثِّفَ المعنى المطلوب". بينما تناول المترجم العماني عبد الله العمري أهمية وقيمة النص العلمي الخالص الذي "لا يجد طريقهُ إلى عموم الناس، نظراً لكونه نصاً صعباً، وهو لا يبارح دائرتهُ الضيقة، قائلاً: "نقل العلوم الطبيعية من اللغات الأخرى إلى ثقافتنا العربية يعتبر ضرورة ملحّة، ويجب أن يكون في رأس الأولويات، فتقدم وتحضر أي أمة يقاس اليوم بمقدار الوعي العلمي الذي تمتلكه جماهيرها"، معتبراً أنّه "في اللحظة التي تبدأ هذه المعارف الواردة على الثقافة بتوليد كتابات أصيلة بلغتنا وخلق تقاليد كتابة علمية بالعربية تكون الترجمة قد حققت أهم أهدافها"، مضيفاً "أود أن أشكر دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي ممثلة في مشروع كلمة للترجمة التي وعت هذه الأهمية فجمعت نخبة من الأكاديميين والمترجمين المهتمين بالعلم واختارت لمؤتمر أبوظبي للترجمة في دورته السادسة أن يكون محفلا للعلم وهموم نقله"، خالصاً إلى أنّ النص العلمي الخالص "لكي يخرج عن هذه الدائرة، يتوجب أن يمتزج بغواية السرد، ليكون النص واقعاً بين العلم والأدب".

الجلسة الثانية

جاءت الجلسة الثانية تحت عنوان "اللغة العربية والعلوم الحديثة" وناقشت تطوّر العلوم في مجالات الفضاء اللغة العربية والعلوم الحديثة كالرياضيات والفيزياء والطاقة النووية، والطب، بمشاركة الدكتور وهيب الناصر، والدكتور همام غصيب، والدكتورة شيخة المسكري، وأماني الحوسني، والدكتورة خولة الكريع، التي طرحت في افتتاح الجلسة مشكلة الترجمة العلمية المبسطة، ليتناول بعدها الدكتور همام غصيب اللغة العربية معتبراً أنها لغةٌ علمية، بعكس ما يُشاع عنها، ومن جهته، شدّد الدكتور وهيب الناصر على أننا كأمة عربية لا ننتجٌ أية معرفة علمية، وبالتالي "هذا يجعلنا نخرج من الإطار الحضاري العالمي"، مؤكداً على ضرورة دعم حركة الترجمة في الوطن العربي. أما شيخة المسكري، الرئيس التنفيذي للابتكار في وكالة الإمارات للفضاء، فقد استعرضت مسيرة دولة الإمارات العلمية، خاصة على صعيد الفضاء، مؤكدةً أنّ "هناك فجوة بين العالم الغربي والعربي في هذا المجال".

الجلسة الثالثة:

انعقدت الجلسة الثالثة ضمن بمشاركة كل من الأستاذ الدكتور محمد عصفور، الأستاذ الدكتور طارق فخر الدين، والأستاذ حمد الغيثي وأدارها الأستاذ الدكتور فرحات معمري والتي تمحورت حول الترجمة العلمية ما بين سرعة التقدّم العلمي وتطوّر اللغة العربية وعلاقتها بمحرك غوغل للبحث على الإنترنت، والتجارب والتحديات التي يواجهها المترجم في ترجمة النصوص العلمية. وتداول المحاضرون في الجلسة التي استهلها الأستاذ حمد الغيثي بورقته المعنونة "إشكالية الترجمة العلمية إلى العربية"، أهمية التركيز على اللغة العربية الأم كلغة لتدريس العلوم كحل لمعضلات الترجمة العلمية متفقين على أنّ الموضوع الأهم هو الترجمة العلمية من أجل العلم، إذ إنّ المشكلة التي يعاني منها العالم العربي تكمن في التعليم الجامعي، حيث اعتبر الأستاذ الدكتور طارق فخر الدين أنّ العلوم لا يمكن لها أن تتطور لدى شعب لا يدرسها بلغته القومية، مشيراً إلى أنّه في تجربته الأكاديمية حرص على أن يقرأ طلابه الأدب الإنكليزي مترجماً إلى العربية قبل أن يغوصوا فيه بلغته الأم، وهذا ما أدّى إلى تمكّنهم من فهم وإدراك قيمه الجمالية بلغتهم التي يفكّرون بها ويرتبط شعورهم بموحياتها ومفرداتها، كما أشار الأستاذ الدكتور محمد عصفور يتناول الترجمة لغير المتخصصين أو ما نسميه "العلم للجميع" وهو موضوع مهم جداً وهدفه تبسيط العلوم للقارئ العادي، نريد هذا العلم ونريد أن نزيد العمل فيه لأن القارئ العربي بحاجة إلى أن يتعلّم العلم الحديث وإلى أن يعرف موضوعاته، وأن يتمكّن من التحدث فيها، ومن أجواء تجربته الشخصية أشار الدكتور عصفور إلى أنه درس الفيزياء بلغته العربية السلسة والمفهومة، ولكنه لو أكمل تخصصه في مجال الفيزياء لوجد أمامه منهجاً باللغة الإنكليزية لا يمكّنه من دراسة الفيزياء، بل ويضع أمامه عقبات لا هو بحاجة لها ولا العلم بحاجة لها، شاكراً ربّه على انتقاله إلى قسم اللغة الإنكليزية ما مكّنه من ترجمة أكثر من عشرين كتاباً عن الإنكليزية إلى العربية.

وفي سير المشاركين ضمن جلسات اليوم الأول من مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة العديد من الإنجازات المهنية والاحترافية العالية في مجال الترجمة، فالدكتور شكري المبخوت حاصل على جائزة الملك فيصل العالمية لعام 2018، والجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2015، وعلى دكتوراه الدولة في الآداب من جامعة منوبة وهو يرأسها حالياً، كما يشغل عضويات هيئات تحرير مجلات عالمية عديدة، أما محمد الخولي فهو كبير المترجمين في منظمة الأمم المتحدة، وخبير في الإعلام والترجمة الدولية، أصدر حتى الآن 22 كتاباً بين التأليف والترجمة، وحازت ترجمته لكتاب "انهيار العولمة وإعادة اختراع العالم" على جائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية/ اليونيسكو في عام 2010، وتشغل الدكتورة هيفاء أبو النادي عضوية جمعية المترجمين واللغويين التطبيقيين الأردنيين ولها في الترجمة "المسرح في العالم" عن هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام ودار أزمنة، ولها أيضاً "حالات امرأة في عشرين قصيدة، غابرييلا مسترال" وعن مشروع كلمة للترجمة لها "الماء: طبيعة وثقافة" لفيرونيكا سترانغ وغيرها، وعبد الله المعمري كاتب ومترجم عماني مهتم بنشر الثقافة العلمية، له في الترجمة "أشـكال لا نهائيـة غايـة فـي الجمـال" 2016، و"الداروينـة" 2016، وعمل الكاتب فيصل العبد الكريم في صحيفة الحياة وقبلها الرياض، وهو حاصل على جائزة الإعلام الجديد، وصدر له كتاب "الشجاع الأقرع".

ومن المتخصصين في العلوم والترجمة العلمية الدكتور وهيب الناصر وهو عالم فيزياء وأكاديمي يشغل منصب نائب الرئيس للبرامج الأكاديمية والدراسات العليا بجامعة البحرين، وله أكثر من 120 بحثاً علمياً في مجالات فيزياء المعادن، الطاقة المتجددة، فيزياء البيئة، الفلك، علوم الفضاء والفيزياء الطبية، إضافةً إلى حوالي 40 كتاباً، وهو حاصل على جائزة الأيسسك في الفيزياء من المغرب ووسام الكفاءة من الدرجة الأولى من جلالة ملك البحرين، وغيرها، والدكتور همام غصيب حاصل على البكالوريوس في الفيزياء بمرتبة الشرف من جامعة مانشستر بإنكلترا 1971، ودبلوم الدراسات المتقدمة في العلوم 1972 والدكتوراه في الفيزياء النظرية 1974، كما ترجم العديد من الكتب العلمية والأدبية والفلسفية والأكاديمية ورأس تحرير مجلة دراسات، بينما تشغل الدكتورة شيخة المسكري منصب الرئيس التنفيذي للابتكار في وكالة الإمارات للفضاء، وهي رئيسة مجموعة المسكري القابضة وشركات جونسون كونترول والاتصالات الدولية وأكثر من 20 شركة متعددة الجنسيات، إلى جانب اطلاقها مؤسسة خيرية، أما أماني الحوسني فهي أول عالمة ذرية إماراتية تبلغ من العمر 25 عاماً، خريجة هندسة كيميائية من جامعة الإمارات العربية المتحدة، وحاصلة على منحة دراسة الماجستير في الهندسة النووية، إضافةً إلى جائزة أوائل الإمارات، وتعدّ الدكتورة خولة الكريع كبيرة علماء أبحاث السرطان ورئيس مركز الأبحاث بمركز الملك فهد الوطني للأورام التابع لمستشفى الملك فيصل التخصصي، لها أكثر من 120 بحثاً علمياً وما يقارب 300 ورقة علمية منشورة في مجالات محكّمة.

ويشغل الأستاذ الدكتور محمد عصفور عضوية مجمع اللغة العربية الأردني، له أبحاث أدبية عن كبار الأدباء العرب والعالميين، وله في الترجمة "صيادون في شارق ضيق" لجبرا إبراهيم جبرا، "البدائية" لأشلي مونتاغيو، "مفاهيم نقدية" لرينيه ويلك، "، "تشريح النقد" لنورثرب فراي، و"البنيوية وما بعدها" لجون سترك، و"فجر العلم الحديث" لتوبي هف، "الرواية والأمة" لباتريك بارندر، "جينالوجيا الدين" لطلال أسد، و"العالم والنص والناقد" لإدوارد سعيد. أما الدكتور طارق فخر الدين فحاصل على الدكتوراه في الأدب المقارن من جامعة نيويورك 1977، وترأس تحرير النشرة الاسبوعية "كويتي غازيت" كما ترجم العديد من القوانين الكويتية إلى الإنكليزية، بالإضافة إلى ترجمة ومراجعة وتحكيم عدد من المقالات والكتب في الموضوعات الأدبية والإنسانية والأكاديمية، ويتخصص الأستاذ حمد بن سنان الغيثي في الأحياء الجزيئية ويعمل في جامعة ميونخ بألمانيا، وهو حائز على جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب، إضافةً إلى وسام الاستحقاق من جلالة السلطان، وعلى جوائز عديدة أخرى، بينما يملك الدكتور فرحات معمري خبرة مهنية في مجال الترجمة تتجاوز 20 عاماً، حيث عمل ولا يزال في العديد من المؤسسات العالمية والدولية بينها البرلمان الجزائري، وايث أيرست كندا- فايزر، البنك الدولي للتنمية في المملكة العربية السعودية وغيرها، ويعمل حالياً أستاذاً في قسم دراسات الترجمة في جامعة الإمارات العربية المتحدة