+A
A-

النقد السينمائي.. الكتابة عن إبداع الأفلام وليس عن أصحابها

علاقتي بالسينما بدأت من سنين مراهقتي، كنت أشاهد بكثرة السينما الأميركية والفرنسية فضلا عن بعض الأفلام من جنسيات أخرى اكتشفت فيها الجيد من هذا العالم الكبير. ولعل من أهم دوافع الكتابة عن الافلام او نقدها كما يحلو للبعض هي كل الافلام التي نحبها ونحب كل تفاصيلها الدقيقة وما وراء كل جملة ومشهد، ومن هنا كان استنتاجي الخاص أن الحاجة الجمالية في هذه الافلام هي في الكتابة عنها، في المرحلة الثانوية وقبل ذلك بدأت أكتب مقالات عن الأفلام وشاركت في العديد من التظاهرات السينمائية، وبحكم اشتغالي في الصحافة والاذاعة والتلفزيون عموما جعلني اقرب أكثر من السينما.

والسؤال هو كيف يكتب النقد لأي فيلم؟ يلاحظ أن النقد يأتي غالبًا من دون عمق ودراسة ربما لقلة وجود النقاد المبدعين، والسبب هو اهتمام النقاد في المقام الأول بسرد النص السينمائي والغوص في تفاصيل القصة التي يدركها المتلقي العادي، بعيداً عن التحليل الناضج الواعي الذي من شأنه الارتقاء بالعمل الفني.

بعض النقد يكون مغلوطا أو بالأحرى مدفوعا بالمصالح، شخصيا لا أثق في هؤلاء ولا أعتبرهم نقاداً أصلا، وهم في تقديري دخلاء ولهم مصالحهم الخاصة. وفي الفترة الاخيرة بات النقد مهنة من لا مهنة له، حتى أننا الآن نرى نقاداً على الساحة السينمائية ليس لهم أي علاقة من قريب أو من بعيد بالفن أو بالنقد، وليس لديهم ثقافة أو رؤية، فتحول النقد إلى نوع من المجاملات والانطباعات الصحافية السريعة اليوم وهذا بسبب سطحية من ينشر لهم.

ان الشرط الأساسي لممارسة النقد السينمائي هو التوفر على حساسية فنية وموهبة وملكة كتابة ملائمة، مع معرفة واسعة في مختلف الفنون ومشاهدة مكثفة للأفلام الجيدة والسيئة فالناقد السينمائي هو الذي يذهب ليشاهد الفيلم ثم يجلس ليضع وجها لوجه: العمل الفني وذاتيته التي ستلهم كتابته. من المهم أن ينفتح الناقد على كل المذاهب والاتجاهات النقدية ويستفيد منها، غير أن من الخطأ أن يغلق نفسه على مذهب واحد يعتبره "مقدسا" فيصبح مثله مثل عبيد الأيديولوجيا الذين يرفضون الاستفادة من أي مذهب خارج نطاق أيديولوجيتهم التي يعتقدون أنها تقدم تفسيرا شاملا للعالم.

النقد هو تفكر في السينما، هو تعبير خاص ناتج عن تأثير العمل الفني على حس نقدي، وبذلك التأثير، يكون الناقد قد تلقى دعوة ليخضع موهبته للاختبار، لأن العمل الفني هو تحدي للنقد، وتكمن صعوبة نقد الفن السابع، في أنه يستخدم الفنون الستة السابقة كوسائل تعبيرية لحسابه الخاص لتعميق الإحساس، لمخاطبة متخيلنا عن حواسنا.

والناقد السينمائي هو الذي يشاهد الأفلام ويكتب عنها، وليس من يكتب عن أصحابها، أي عن الأشخاص. هو الذي يكتب عن الصور التي تتابع على الشاشة. واهم شيء في النقد هو تقديم البراهين على الانطباعات التي يخرج بها الناقد بعد ان يشاهد الفيلم السينمائي، وقد يكون الناقد سببا في تحفيز الجمهور على الالتفات لهذا الفيلم. وكي نحدد الناقد الحقيقي كان لزاما علينا ان نحدد بعض الصفات الواجب توافرها لديه كي يكون ناقدا مؤثرا يعمل على تحرك المياه الراكدة كما انه يساهم بشكل فاعل في تطور العمل الابداعي ناهيك عن رفع درجة الوعي في المجتمع. ومن مواصفات الناقد الجرأة والا فانه لن يصبح ناقدا مرموقا اضافة الى الحرية التي يجب ان يتمتع بها ليقدم نقده وفق رؤية حقيقية موضوعية لا تخضع لضغوطات اجتماعية او اقتصادية، والمسألة نسبية من دولة الى دولة اخرى، ففي الدول الاجنبية نجد النقد اكثر واقعية وموضوعية وجرأة نظرا لطبيعة المجتمع، وهذا الامر يقودنا الى سؤال مهم وهو هل يستطيع الناقد ان يرفض القيم الاجتماعية ويعبر عن ذلك انطلاقا من تناوله الى فيلم يناقش قضية اجتماعية اذ انه يجب على الناقد ان يمتلك ادواته الابداعية ليستخدمها في فضح الزيف في بعض الامور والجرأة على كشفها،وقد سبقه الى ذلك من قام بتقديم ذلك الزيف في الفيلم.