العدد 3515
الأربعاء 30 مايو 2018
banner
نقطة أول السطر أحمد جمعة
أحمد جمعة
منطق رمضان!
الأربعاء 30 مايو 2018

بالعقل والمنطق، يُفترض أن يكون شهر رمضان أكثر شهور السنة إنتاجاً وحصيلة وحيوية عملية، لأنه مقترن بالعبادة، والعبادة تحض على العمل والإنتاج والإخلاص في الوظيفة والعمل مهما كانت الظروف، كما يفترض المنطق والعقل أن يكون شهر رمضان مصدر عطاء وإثمار، لأن المؤمن يكرس وقته للعبادة والعبادة عمل وإبداع، وهذا ما يتطلبه الافتراض المنطقي والعقلاني، لكن هل ما نراه ونشهده خلال هذا الشهر يتفوق على الشهور السابقة من السنة؟ أم أنه كما الواقع المعاش، الكسل والخمول والتأخر والغياب عن العمل وتأجيل كل الأعمال وترحيلها لما بعد هذا الشهر؟ لأن أغلب الموظفين والمسؤولين إما في إجازة أو إجازة مقنعة بسبب سهرهم وبعضهم بحجة مضحكة هي كثرة العبادة! أي أن تضاعف العبادة في شهر رمضان يؤدي للتقاعس في العمل وتأجيل وتعطيل مصالح الناس والعتب على رمضان!

منطق رمضان عند الغالبية ولا أقول الجميع، هو أن هذا الشهر لديهم - أي هؤلاء الموظفين والعاملين وبعض المسؤولين - حجة مبررة وقوية للتقاعس والغياب والتأجيل والتكاسل، بل إن بعضهم يقول بحرفية لمراجعيه آسف بعد رمضان سوف نبت في الأمر، وبعضهم يبرر تأخر المعاملة بسبب رمضان، والبعض يرمي على رمضان نسيانه، وهناك قائمة من الحجج كلها تساق بسبب رمضان وكأن رمضان فرصة للهروب من مسؤولية أداء الوظيفة التي هي في جوهرها توازي العبادة إن لم تتفوق عليها، فخدمة الناس وتسيير شؤونهم وحل مشاكلهم وتخليص معاملاتهم أمور في حد ذاتها عبادة ولا أفهم كيف يفكر بعض المسلمين عندما يتخلى عن مهامه ويهدر الوقت ويعطل مصالح العامة، ويقوم بالوقت ذاته بتأدية طقوسه الدينية كاملة؟ بل يزيد عليها في رمضان أضعافا من العبادات التي تكاد تشمل اليوم بطوله وبالوقت ذاته يتقاعس عن حل مشكلة مواطن أو تخليص معاملة مراجع ولديه كل الوقت لارتياد المجالس الليلية كلها تقريباً، فهناك من يقضي الليل متنقلاً بين هذه المجالس ولا يجد ساعة بالنهار لأداء مهام عمله، كل ذلك بحجة رمضان.

هذه الظاهرة لها جذورها منذ عقود طويلة وتكاد تشمل غالبية المجتمعات الإسلامية، وتكاد تصبح عُرفا في هذه المجتمعات بالرغم من التقدم وتعقيد الحياة وصعوباتها مع ما رافق التطور من مظاهر معقدة تجعل من الصعب العودة للعقود الماضية والحياة بذات الذهنية القديمة التي ترى في التكاسل والخمول والتهرب ظاهرة طبيعية! لقد ابتلينا حقيقة بعادات سلبية قاتلة تكاد تجعل مجتمعاتنا الإسلامية للأسف الشديد مجتمعات متخلفة عرضة للسخرية من قبل المجتمعات المتقدمة والعصرية التي لم تثنها المناسبات والمظاهر الدينية عن أداء مهامها بل تزيدها إصراراً على مضاعفة العطاء والإنتاج بعكس ما تفرزه مجتمعاتنا الإسلامية من ظواهر الكسل والتقاعس والهروب، ألم يحن الوقت لشن حملة توعوية وتثقيفية لفهم حقيقة العبادة وفصلها عن الكسل والتقاعس؟.

تنويرة:

مهما علا شأنك... ابقى في مكانك.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .