+A
A-

ظلال الهجرة تخيّم على القمة الأوروبية

تطغى مشكلة الهجرة غير القانونية على أشغال القمة الأوروبية يومي الخميس والجمعة في بروكسيل. وقلَّلت مصادر مطلعة من توقعات النتائج التي ستتمخض عن مباحثات زعماء الاتحاد الأوروبي تداعيات تدفق زوارق الهجرة من جنوب المتوسط، خاصة من ليبيا، لأسباب التداعيات السياسية التي تفاعلت داخل عدد من الدول الأعضاء وكانت ضمن أسباب وصول اليمين المتشدد إلى سُدة الحكم في عدد من الدول الشرقية والنمسا وأخيراً في إيطاليا.

ووصف دبلوماسي رفيع المستوى المشكلة التي تواجه قادة الاتحاد بأنها "صعبة ومعقدة". ولاحظ أن الاتحاد "لا يواجه أزمة حادة مثل تلك التي شهدها في 2015 حيث تدفق نحو مليون مهاجر بصفة غير قانونية في أشهر قليلة". وقد انخفض عدد الوافدين بصفة غير قانونية بنسبة 96%. واستدرك المصدر نفسه "تفاعل الأزمة وارتفاع حساسيتها في صفوف الرأي العام".

وتبحث القمة الأوروبية وسائل التحكم الممكنة في تدفق الهجرة غير القانونية وتدخل المنظمات غير الحكومية في عرض البحر الأبيض المتوسط من أجل نجدة المهاجرين الآتين من ليبيا أو من مناطق أخرى من جنوب شرقي البحر الأبيض المتوسط. وتواجه المنظمات رفض اليمين المتشدد في إيطاليا السماح لزوارق النجدة الرسو في الموانئ الإيطالية. وكشفت الأزمة سفينة "أكواريوس" التي ظلت أياماً في البحر حيث اصطدمت برفض وزير الداخلية الإيطالي منحها الرسو في أحد موانئ إيطاليا وكان على متنها 629 مهاجراً تمت نجدتهم في المياه الدولية.

واضطرت سفينة "لايفلاين"، التابعة إلى مؤسسة غير حكومية ألمانية إلى الرسو في مالطا بعد أيام من البحث والانتظار في عرض البحر.

دعم الأطراف الخارجية

وتبحث القمة سلسلة من الاقتراحات العملية، بعضها لا يمكن الحسم فيها ليل الخميس الجمعة. وتشمل الاقتراحات تعزيز التعاون بين الاتحاد ككل، أو بين بعض الدول الأعضاء مثل إيطاليا، والسلطات الليبية، سواء المقيمة في طرابلس أو السلطات الفاعلة خارجها، من أجل تطوير قدرات خفض السواحل الليبي من أجل احتواء المشكلة والحؤول دون إبحار زوارق الهجرة غير الشرعية انطلاقاً من الشواطئ الليبية. كما تنسق سفن الأسطول الأوروبي مع القوات البحرية التونسية من أجل مراقبة حركة الملاحة منها محاولات المهربين الانطلاق شواطئ جنوب شرقي تونس في اتجاه إيطاليا.

ومكنت برامج التعاون بين المنظمات الدولية (المفوضية السامية للاجئين والمنظمة الدولية للهجرة) من إعادة توطين أكثر 15 ألف مهاجر أفريقي علقوا في ليبيا، وعادوا إلى بلدانهم الأصلية. وفي اتجاه الساحل الأفريقي، أقام الاتحاد الأوروبي والنيجر خطة عمل يجري تنفيذها في مدنية "أغاديس" حيث تعد نقطة محورية يقصدها المهاجرون الوافدون من أفريقيا الغربية والوسطى في اتجاه الشمال (ليبيا) نحو أوروبا. وتقرن أجهزة التعاون في الاتحاد الأوروبي المساعدات التي تقدم إلى الدول الأفريقية والآسيوية بشرط التوقيع على اتفاقات إعادة توطين الرعايا الذين دخلوا أوروبا بصفة غير قانونية.

إلا مسار إعادة التوطين والترحيل يتطلب وقتاً طويلاً لأسباب الإجراءات القانونية وتحديد هويات المهاجرين الذين لا يتردد البعض منهم على انتحال هوية دولة أخرى غير هويته الأصلية. وشملت عمليات الترحيل من التراب الأوروبي 35% تقريباً من المهاجرين الذين خابوا في طلبات اللجوء.

وتقترح المفوضية الأوروبية تعزيز جهاز خفر السواحل الأوروبي ورفع قدراته من 1300 إلى 10000 في غضون عقد. ويتوقع تقوية دور جهاز حماية الحدود الخارجية (فرونتيكس) في عمليات ترحيل المزيد من المهاجرين لأسباب اقتصادية إلى بلدانهم الأصلية. وذكرت مصادر القمة أن "جهاز فرونتيكس قد يتم تحويله إلى جهاز مشترك لحماية الحدود الأوروبية".

منصة الرسو الإقليمية

وتبحث القمة أوضاع الذين تتم نجدتهم في البحر وقد أثارت حساسية شديدة في الأيام الماضي بعد رفض إيطاليا رسو سفن المنظمات غير الحكومية. وذكَّرت المفوضية الأوروبية في صفتها راعية المعاهدات الأوروبية منها، منها معاهدة الحقوق الأساسية، وجوب التزام الدول الأعضاء باحترام قانون البحار والذي يقتضي "نقل الذين تتم نجدتهم في البحر إلى أقرب ميناء آمن". وتتجه النقاشات إلى إقامة مراكز "مغلقة" يتم فيها تجميع المهاجرين الذين تتم نجدتهم في البحر على أن يتم فرز المهاجرين لأسباب الاقتصادية واللاجئين. ووافقت المفوضية السامية للاجئين ومنظمة الهجرة الدولية المشاركة في خطة "الرسو الإقليمية"، وتتمثل في مسار بحث ملفات المهاجرين في المخيمات المغلقة.

وذكرت المنظمات في بيان أن نحو 1000 مهاجر تقريباً هلكوا في البحر منذ بداية العام الجاري. وأشارت إلى أن عدد الوافدين بلغ أقصاه، أكثر من مليون، في 2015 ونحو 5000 غرقوا في البحر. والآن، عادت المعدلات إلى ما قبل 2014. وقد وصلوا إلى حد الآن 42 ألف وافد إلى كل من إيطاليا وإسبانيا واليونان. ودعت المنظمتان قادة دول الاتحاد الأوروبي إلى الاتفاق حول "مقاربة موحدة إزاء أزمة الوافدين من المتوسط من ناحية والاتفاق من ناحية أخرى حول إدارة أزمة الوافدين الذي يوجدون داخل تراب الاتحاد (أو ما يسمى حركة التنقل الثنائية)".

ولم يتحدد بعد أين ستقام المراكز المغلقة. هل ستتم في بلد الوصول أي في اليونان وإيطاليا. وتقوم الأخيرة حكومة شعبوية لا تقبل أن تكون نقطة الوصول والعبور الرئيسية التي يقصدها المهاجرون. وقال رئيس وزراء هولندا بوجوب أولوية حل مشكلة خفض مستوى التدفق الخارجي من خلال الاتفاق مع دول الأصل والعبور. واقترح مارك روتي ربر ام اتفاقات مع كل من السينغال والنيجر شبيهة بالصفقة التي أبرمت مع تركيا في 2016 والتي مكنت من وقف تدفق اللاجئين من سوريا والعراق وغيرهما، في مقابل مساعدات مالية بلغت 3.3 مليار يورو في ثلاث سنوات.

الإخلال بمبدأ التضامن

ويزداد المشهد تعقيداً بالنسبة للزعماء الأوروبيين المنقسمين أصلاً نتيجة رفض دول وسط وشرق أوروبا تنفيذ الخطة المشتركة الإلزامية بشأن توزيع اللاجئين إلى حصص. ولا أحد يعلم عدد الذين غادروا إيطاليا ويحاولون الوصول إلى بريطانيا أو الحصول على فرصة اللجوء في ألمانيا ودول اسكندنافيا. هؤلاء يعدون بعشرات الآلاف. وما يزيد في تعقيدات الوضع بالنسبة إلى دول جنوب أوروبا وخاصة إيطاليا واليونان أن مباحثات تعديل قانون دبلن حول اللجوء قد فشلت. القانون يعود إلى بداية التسعينيات ويقتضي أن يتم تسجيل طلبات اللجوء في أول بلد أوروبي يصله المهاجر بصفة غير قانونية. إلا أن كثافة التدفق جعلت إيطاليا تتجاوز طاقة الاستيعاب وتفتح حدودها أمام كل العابرين نحو الشمال بعد تسجيلهم وأحياناً من دون تسجيل هوياتهم ونقاط وصولهم.

وذاك هو المأزق الذي دخلته مباحثات تعديل قانون دبلن حول اللجوء. وتهدد ألمانيا وفرنسا بالدعوة إلى استخدام معونات التنمية بمثابة عنصر الضغط ضد الدول الأوروبية التي تنتهك مبدأ التضامن الذي يعد ضمن الأسس التي يقوم عليها الاتحاد الأوروبي.

وعكس كلام القادة الأوروبيون عند وصولهم إلى الاجتماع في بروكسيل الضغط السياسي الذي يحسونه جراء تفاعل أزمة الهجرة في صفوف الرأي العام واستغلالها من قبل اليمين المتشدد ضد أحزاب اليسار واليمين التقليدي. وقال رئيس البرلمان الأوروبي "من دون حماية الحدود الخارجية للاتحاد، فإن السوق الداخلية الموحدة ستواجه مخاطر جدية". ودعا أنطونيو تاياني إلى "وجوب الاتفاق حول تعديل قانون دبلن". وفي إشارة إلى رفض دول أوروبا الشرقية خاصة المجر التعاون مع بقية الشركاء في الاتحاد من أجل تحمل عبء الهجرة غير القانونية وتدفق اللاجئين، قال الرئيس الفرنسي إنه يختار "الحل الأوروبي على حساب الحل الوطني" (الضيق). ودعا الرئيس إيمانويل ماكرون إلى تضافر "الحلول على الصعيد الخارجي (التعاون مع دول الصمدر والعبور)، وفي مستوى حماية الحدود الخارجية، وداخل نطاق دول معاهدة "شينغن الأوروبية وتعديل قانون دبلن حول اللجوء".

ولا يخفي القادة الأوروبيون قلقهم من تداعيات فشل حلول أزمة الهجرة على الرأي العام. وذكر رئيس المجلس الأوروبي في رسالة الدعوة التي بعثها إلى القادة الأوروبيين أن "وجود أصوات في أوروبا وخارجها تنتقد ما سمته نقص حماية الحدود الخارجية ومسؤوليات الديمقراطية الليبرالية".

واستنتج دونالد تاسك "تنامي حركات سياسية تعرض حلول بسيطة لقضايا معقدة وتستخدم خطابا بسيطا، متشددا وجذابا". ورأى تاسك أن أزمة الهجرة تزود هذه الحركات "بالمزيد من الأدلة".