+A
A-

طبيب أنقذ البشرية من وباء فتك بالملايين.. وطفل!

مند آلاف السنين، أنهك مرض الجدري البشرية متسببا في وفاة عشرات الملايين.

وسجل هذا المرض، بحسب المؤرخين، أول ظهور له منذ 10 آلاف سنة في الشمال الشرقي لأفريقيا، قبل أن ينتشر نحو الهند.

كما أظهرت بعض الأبحاث المعاصرة التي أجريت على مومياء فرعون مصر، رمسيس الخامس، احتمال وفاته بسبب هذا المرض، ليصبح بذلك رمسيس الخامس واحدا من أوائل الأشخاص الذين فارقوا الحياة بسبب الجدري.

وخلال القرن السابع عشر، تحول هذا المرض إلى السبب الرئيسي للوفيات في مختلف أصقاع العالم. ففي أوروبا لوحدها فارق سنوياً ما لا يقل عن 400 ألف أوروبي الحياة بسببه.

كما شهدت نفس تلك الحقبة وفاة خمسة قادة أوروبيين بارزين بسبب الجدري. ففي سنة 1724 توفي الملك الإسباني لويس الثاني عقب إصابته بهذا المرض، تلاه القيصر الروسي بيتر الثاني سنة 1730 وأميرة موناكو لويز هيبوليت، وبعدها بسنة، مع حلول عام 1774 فارق الملك الفرنسي لويس الخامس عشر الحياة عقب معاناة شديدة، بعد أن شخّص الأطباء إصابته بالجدري، وفي سنة 1777 أنهى نفس المرض مسيرة ناخب بافاريا ماكسيمليان الثالث.

وفي القديم الغابر، اعتمد الصينيون على طريقة فريدة من نوعها لمواجهة تأثير الجدري والحد من نسبة الوفيات المرتفعة التي كان يسببها هذا المرض. إذ عمد الأطباء الصينيون القدامى إلى ما يعرف بالتجدير.

ومن خلال التجدير، أقدم الصينيون على أخذ سوائل المصابين بالجدري، التي كانت تعج بالفيروسات المسببة للمرض، ووضعوا نسبة ضئيلة من هذه السوائل داخل جروح الأهالي، من أجل تطعيمهم.

وعقب هذه العملية، أصيب هؤلاء الأشخاص الذين تعرضوا للتطعيم بمرض الجدري، قبل أن يتعافوا منه خلال أيام وجيزة، بسبب قلة عدد الفيروسات في أجسادهم، ليكتسبوا إثر ذلك مناعة أبدية ضد المرض.

ولاحقاً، سجلت عملية التجدير انتشارها نحو مناطق من آسيا الصغرى وأوروبا دون أن تحقق نتائج إيجابية. إلا أنه أغلب الأحيان كان الأطباء يخطئون في كمية السوائل المليئة بالفيروسات التي كانت تقدم للأهالي، وبدل تطعيمهم، تسببوا بإصابتهم بالمرض، ووفاتهم.

وعلى مدار فترة طويلة من تاريخ البشرية، فتك الجدري بعشرات ملايين الأرواح البشرية، قبل أن يتمكن طبيب إنجليزي، أواخر القرن الثامن من وضع حد نهائي لهذا المرض.

فخلال فترة دراسته، لاحظ الطبيب الإنجليزي إدوارد جينر عدم إصابة النساء العاملات على حلب الأبقار بمرض الجدري، بل إصابتهن بمرض آخر يسمى جدري البقر، الذي سرعان ما كن يتعافين منه، بفضل قدرة الجسم على مقاومته.

وخلافا لمرض الجدري الذي يصيب البشر، يسبب جدري البقر حالة من التعب وظهور علامات بسيطة على الجسم سرعان ما تزول مع مرور الوقت.

وفي يوم الرابع عشر من شهر أيار/مايو سنة 1796 ، قرر الطبيب إدوارد جينر القيام بتجربة جريئة على طفل يبلغ من العمر ثمانية سنوات.

وخلال هذه التجربة أقدم الطبيب على أخذ عينات بسيطة من يد امرأة مصابة بجدري البقر، وتطعيم الطفل جيمس فيبس ذي الثماني سنوات بهذه العينات في كلتا ذراعيه.

خلال الفترة التالية، ارتفعت حرارة الطفل قليلا وظهرت علامات حمراء عند مكان التطعيم سرعان ما اختفت.

ومطلع شهر يوليو/تموز سنة 1796، أقدم إدوارد جينر على تطعيم الطفل جيمس فيبس بعينات من السوائل الغنية بفيروس الجدري البشري في سعي منه لتأكيد نتيجة أبحاثه.

إلا أنه خلال الفترة التالية لم تظهر على هذا الطفل ذي الثماني سنوات أية أعراض لمرض الجدري ليتيقن الطبيب حينها أن جسم جيمس اكتسب مناعة ضد المرض عقب تطعيمه بجدري البقر، في وقت سابق من شهر أيار/مايو خلال نفس السنة.

وبفضل هذه التجربة الجريئة، ساهم إدوارد جينر في ظهور التطعيم المضاد للجدري، وأنقذ ملايين الأرواح البشرية خاصة بعد أن سجلت نتائج أبحاثه انتشارها في كامل أرجاء القارة الأوروبية.

وخلال القرنين التاسع عشر والعشرين، اعتمد العديد من الباحثين على طرق مقتبسة من أبحاث جينر، لإيجاد لقاح ضد العديد من الأمراض الفتاكة، كمرض شلل الأطفال والكزاز والتيفوس والسعال الديكي.

كما أقدم البحثون خلال السنوات التالية، على تطوير لقاح آخر للجدري مقتبس من أبحاث إدوارد جينر وبحلول سنة 1970 أعلنت منظمة الصحة العالمية رسميا انتصار البشرية على مرض الجدري الذي فتك بعشرات ملايين الأرواح البشرية.