العدد 3569
الإثنين 23 يوليو 2018
banner
زمان عادّي “الطعام” (1)
الإثنين 23 يوليو 2018

لفتت انتباهي ظاهرتان في المشهد البحريني، خصوصا في سياق التواصل الاجتماعي، الذي بات يُعرف بأنه المزاج العام للمجتمع، لتغلغله في جميع الأوساط، وسعة انتشاره، وسهولة إنتاج وإعادة نشر المواد التي تتقاذف فيه، والتي تحشوه مجّاناً بالكثير من الصور والمعلومات والمواقف اللحظية، والتي تكون للإنسان أو عليه في وقت لاحق... وغالباً ما تكون إدانة له.

الظاهرة الأولى هي كثرة حفظ أناس تغريدات سابقة مضت عليها السنون، وفيديوهات وصورا قام أفراد بنشرها لمناسباتهم الخاصة، والخاصة جداً، وبعضها الخاصة جداً جداً، إن أجازت اللغة هكذا استخدام، الاستغراب من هذا التخزين الهائل، والتصنيف المنهجي الذي يؤدي إلى سرعة استرجاع هذه المواد ونشرها، بقصد التسقيط، والنيل من شخصيات عامة، أو تسعى لأن تكون عامة، وهذا ما لحظناه في الأسابيع القليلة الماضية، حيث ما إن أعرب البعض عن رغبتهم في الترشح للمجلس النيابي المقبل (2018 – 2022) حتى استل البعض ما تم حصره وجمعه من مواد سابقة، ربما تخلص أصحابها منها، ولكن “المراقبين” و”المتصيّدين” لم يفعلوا ذلك، فأخذوا يهيلون في الوسائل نفسها هذه المواد التي قد تسيء إلى المترشحين، أو ربما يجري تفسيرها على غير ما أراد لها صاحبها، والتعليق عليها خارج سياقها الطبيعي الذي نشرت فيه في حينه.

وعلى الرغم من الألم الذي يلمّ بأي إنسان سويّ لهذا القدح المنظم والمبرمج الموجّه للأفراد، لا لشيء إلا أن قالوا إنهم سيترشحون، وحسب، فإنني أكاد أقول من بين أسناني للمعرَّض بهم: “تستاهلون”! فلقد أسرف الكثير من الناس أيّما إسراف في عرض كل برامج يومياتهم على الملأ، حيث لم يُبقوا للسرية أو الخصوصية إلا ما ندر، فلم يدعوا مناسبة، وعلى تجمع عائلي، ولا عشاء في مطعم، ولا مناسبة أسرية، أو اجتماعية، ولا زيارة لصديق، ولا سفر عمل أو سياحة، ولا مشاركة في ندوة، ولا تناول آيسكريم، أو قضمة لسندويتش برغر، ولا أقل من ذلك ولا أكبر، ولا أخصّ من ذلك ولا أعمّ؛ إلا وتمّ تصويره ونشره على الملأ، فيوفّر هؤلاء بأيديهم مواد بالغة الدّسامة، والمجانية، إما للمرضى النفسيين، أو البصّاصين والعادّين نوى التمر، المسمى محلياً “الطّعام”، المتسقّطين للأخبار والهفوات والغرائب، وإن شئنا الذهاب أكثر وأكثر، فيمكن القول إن وراء هذا الأمر “أجهزة” منظمة، فليس من المعقول هذا الكمّ من الأخبار والصّور المأخوذة (المكبتشرة) من شاشات الهواتف، يمكن أن تسترجع ويعاد نشرها من جديد مع أغلب الشخصيات!

في ورش النادي العالمي للإعلام الاجتماعي، يردد الرئيس الشريك للنادي، علي سبكار “قبل أن ترسل أية مادة عبر أية قناة للتواصل الاجتماعي، خذ عشر ثوان للتفكير فيما إذا كانت هذه المادة مفيدة أم لا، إيجابية أم لا، صحيحة أم لا، وإذا ما ضغطت على زر الإرسال، خذ عشر ثوان أخرى لقراءتها بعد أن بدت في القناة: هل هي كما ظننت؟ هل ستكون مفهومة بشكل جيد؟ هل توصل الرسالة التي أردت منها؟ ويمكنك في كل الأحوال التراجع إما بمسحها أو تعديلها إن كانت على غير ما ترجو منها”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية