+A
A-

أسعار النفط تتجه للقفز صوب 100 دولار.. لهذه الأسباب

لم يعد الحديث عن أسعار النفط شأنا اقتصاديا يهم الخبراء والمختصين فقط مع تطورات الأسعار التي شهدتها مؤخرا، إذ تبقى أسعار البنزين والسولار عاملا مهما في نفقاتنا اليومية، والحديث عن ارتفاعات مقبلة في هذه الأسعار يبقى أمرا مثيرا جدا للاهتمام.

البعض قد يستبعد ارتفاعا متواصلا في أسعار النفط، خاصة وأنها شهدت قفزة بنحو 30%، منذ مطلع العام الجاري، إلا أن خبراء ومختصين يرون أنه بالرغم من تسارع وتيرة الاستهلاك العالمي من النفط، إلا أنه لا يقابله ارتفاع في الإنتاج يغطي زيادة الطلب مستقبلا، وهذا يهدد بارتفاع أسعار النفط خلال السنوات القادمة.

فالنفط ينضب بالتأكيد وشركات النفط العالمية التي تعرضت لضغوطات قوية مع هبوط حاد في الأسعار خلال 2014، تنفق أقل على المشروعات الجديدة والاستكشافات التي من المفترض أن تغطي الطلب المتصاعد مستقبلا، وذلك على الرغم من أن الأسعار قد تضاعفت بالفعل منذ عام 2016، وقد أثار ذلك مخاوف المراقبين ومحللي أسواق النفط من حدوث ارتفاع حاد في الأسعار يمكن أن يضر بشكل مباشر الأنشطة التجارية والمستهلكين.

وتحتاج صناعة النفط إلى استبدال 33 مليار برميل من النفط كل عام لتلبية النمو المتوقع في الطلب، خاصة وأن الدول النامية مثل الصين والهند تستهلك المزيد من النفط، وهذا العام، من المتوقع أن تستأثر الاستثمارات الجديدة بزيادة قدرها 20 مليار برميل فقط، وفقاً لبيانات من شركة Rystad Energy.

شركة الاستشارات ومقرها النرويج ترى أن متوسط معدل الانخفاض في صناعة النفط، أي السرعة التي يتراجع بها الإنتاج بدون صيانة ميدانية أو حفر جديد - كان 6.3٪ في عام 2016 و5.7٪ خلال العام الماضي، فيما كان معدل الانخفاض في السنوات الأربع السابقة 3.9٪.

مشاركون ومختصون في صناعة النفط قالوا لصحيفة "وول ستريت جورنال" إن أي نقص في العرض يمكن أن يدفع الأسعار إلى الارتفاع، وهو وضع مماثل لما كان عليه النفط عندما وصل إلى ما يقارب 150 دولاراً للبرميل في عام 2008.

نقص الاستثمار

وقال فيرندرا تشوهان، محلل قطاع النفط في شركة Energy Aspects الاستشارية: "إن سنوات نقص الاستثمار تهيئ المشهد لأزمة في الإمداد"، إذ يعتقد أن العجز في الإنتاج قد يأتي في نهاية العام المقبل، مما قد يدفع النفط فوق مستوى 100 دولار للبرميل.

ورغم قلق المشاركين في السوق النفطية من أن العرض سيصل إلى ذروته، يتحدثون أيضا عن احتياطيات نفطية هائلة تحت الأرض.

فعلى سبيل المثال، يمتلك خليج المكسيك حوالي 4 مليارات برميل من الاحتياطيات المؤكدة، وفقًا لبيانات 2016، من إدارة معلومات الطاقة الأميركية. لكن المشاريع الجديدة تتطلب عموما مليارات الدولارات من الاستثمارات وسنوات من التطوير.

ولا يتوقع أن يبدأ مشروع "بي بي" الذي تبلغ تكلفته 9 مليار دولار في خليج المكسيك الإنتاج حتى عام 2021، على الرغم من حصوله على الضوء الأخضر في عام 2016. وتستغرق مشاريع المياه العميقة هذه فترة تصل إلى 3 سنوات ونصف واستثمارات 5 مليارات دولار، حتى تصل لمرحلة الإنتاج وفقًا لشركة Wood Mackenzie الاستشارية.

ويرتبط مستوى الإنفاق على صناعة النفط، خاصة فيما يتعلق بالمشاريع الجديدة والاستكشافات، بحدوث تقلبات كبيرة في الأسعار.

هيكلة مؤلمة

ورأت صحيفة "وول ستريت جورنال" أنه وخلال الوقت الحالي تمر شركات نفطية بفترة حذرة بعد الإنفاق الكبير قبل انهيار أسعار النفط في 2014، والتي أدت إلى إعادة هيكلة مؤلمة.

وحتى مع تعافي أسعار النفط فإن بعض الشركات العالمية تعاني من ضغوطات المستثمرين لإظهار أن بإمكانها الحفاظ على الانضباط المالي والوفاء بعهود تحسين العوائد، ورغم أن الإنتاج لا يزال ينمو إلا أن بعض الشركات حذرة حيال تنفيذ مشاريع جديدة.

الرئيس التنفيذي لشركة "رويال داتش شل"، بن فان بيردن، قال الخميس الماضي: "سيكون علينا الذهاب لمستويات استثمار أعلى مما نراه في الوقت الحالي، ما زلت آمل بأنه يمكننا تجنب أزمة العرض الحقيقية".

وانخفضت استثمارات صناعة النفط بنسبة 25٪ في 2015 و 2016، وفقا لوكالة الطاقة الدولية، حيث كانت النفقات الرأسمالية ثابتة في عام 2017، وتشير البيانات الأولية لارتفاع متواضع في 2018، على الرغم من ارتفاع أسعار النفط بنحو 30٪.

نقص الإمدادات

وقال الخبير الاستراتيجي في مجال النفط في مورغان ستانلي مارتين راتس: "عندما تخفض نفقاتك الرأسمالية إلى النصف، من الصعب ألا يكون لها تأثير". ويتوقع البنك أن يؤدي نقص الإمدادات بالإضافة لعوامل أخرى، إلى دفع سعر خام برنت، إلى 90 دولاراً للبرميل في بداية عام 2020، وقد يصل لـ105 دولارات للبرميل.

مجموعة من العوامل الأخرى تحد الإنتاج الجديد، إذ تكافح أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم وهي فنزويلا وليبيا ونيجيريا للحفاظ على الإنتاج بسبب مجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية والتقنية.

ويراهن مستثمر النفط المخضرم Pierre Andurand على النفط لعدة أعوام مقبلة. وقال "إن برنت يمكن أن يصل إلى 100 دولار للبرميل هذا العام وأن يصل إلى 150 دولارا بحلول أوائل عام 2020". ويتوقع آخرون المزيد من مكاسب الأسعار المتواضعة لكنهم ما زالوا يعتقدون أن ضعف العرض سيزيد الأسعار.

ويقول محللون إنه لتجنب ارتفاع الأسعار على المدى الطويل، تحتاج الشركات إلى البدء في الاستثمار الآن، وليس فقط في النفط الصخري.

وبدون تلك الاستثمارات الجديدة، من المتوقع أن تستمر معدلات الانخفاض على مستوى العالم في التدهور مع انتهاء الشركات من العمل على المشاريع الممولة من قبل.

ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية، انخفض الإنتاج من الحقول القديمة في فنزويلا بأكثر من 700 ألف برميل يوميًا خلال العام الماضي، وفي يونيو بلغ إنتاج أنغولا أدنى مستوى له في 12 عاما، في حين أن إنتاج المكسيك انخفض إلى ما يقرب من 300 ألف برميل يوميا منذ منتصف عام 2016، على الرغم من الجهود المبذولة لإنعاش الصناعة.