العدد 3586
الخميس 09 أغسطس 2018
banner
في فهم الأسباب ومناوشات الذئاب
الخميس 09 أغسطس 2018

ما كان الفيديو الذي انتشر في الآونة الأخيرة لفتاتين شابتين تتعرضان للتحرش في أحد المنتجعات، بالأمر الهيّن الذي يمكن أن يمرّ بسهولة، والأدهى أن يلقى التبرير لما حدث، فما حدث – بكل المقاييس والمعايير والأوصاف – لا يمكن أن يكون أقلّ من أنه أمر خارج المروءة تماماً.

فنزول الشابتين بسراويل قصيرة وسط جمع من الشباب، كان أشبه بمغامرة ظبيين وسط قطيع من الضباع، فهذا يمدّ يده، وذاك يتلمّظ، وثالث يرافقهما، ورابع، وخامس، حتى نفذتا بجلديهما بأقل الخسائر وسط صيحات وهياج ذكوري عالٍ يقول “هذه منطقتنا... ملكيتنا... وعليكما تحمّل ما يحدث لكما”.

إن هذا المنطق الذي نفذه جمع من الشباب أشبه ما يكون بالتماس العذر للمغتصب لأن الضحية كانت ترتدي ملابس ساخنة، فهو “المسكين” الذي ما كان قادراً على ضبط ما تدفق فيه من هرمونات أعمته عن كونه آدمياً، وأنسته التعاليم الدينية والتربوية والمجتمعية والأخلاقية، وانطلق الوحش الذي بداخله، وتكون الضحية السبب المطلق، والعذر المخفف لفعلته النكراء... صحيح أن هناك مسؤوليات مشتركة، لكن هذا لا يمنح الحق لكائن من كان أن يمارس سطوته وذكوريته ويفرد عضلاته لفعل ما يشاء، في من يشاء، ووقت ما يشاء.

المسألة في قراءتها من جهة ثانية تحمل تساؤلاً: هل كان الشباب الذين “استضبعوا” على الفتاتين ليفعلوا ما فعلوه لو كانت الفتاتان بحرينيتين؟ ألم يكن ليردعهم بعضٌ من حياء؟ ألم يفكروا لثوانٍ إذ لربما كانتا تقربان أحدا ممن يعرفون، بل ربما تكونان قريبتين لهم، أو لبعضهم من إحدى الجهات وهم لا يعرفون؟ وربما كانتا كذلك ولكن في لحظة هياج الجماهير امّحت الكثير من الحواجز بقيادة من الحركة الجمعية لمن كانوا في منطقة صغيرة محاصرة وعددهم يقرب الخمسين... إنها المعادلة المناسبة لعقلية القطيع!

لنذهب في المسألة أكثر من ذلك، هل سيكون هذا التصرف الغوغائي نفسه، وبنفس الشجاعة، بل الوقاحة، لو لم تكن الفتاتان سمراوتين؟ الأمر الذي “ربما” جعلهما لحماً رخيصاً بما استقر في أذهان كثيرة بأنه من يقعون ضمن حيّزنا الجغرافي وعلى الشرق منّا يمكن التصرف معهم بفوقية، ومن ضمن هذه التصرفات التعديات الجسدية، وهذا يحدث في وقائع مرّت كثيراً، من حيث الضرب، والتحقير، وما يدور حول الاتجار بالأشخاص يكاد يقع فيه، بل يقع في أحيان أخرى من دون أن يرفّ جفنٌ للمعتدي، وهذا الأمر عائد إلى الكثير من التراكمات الموروثة لمعنى الأجنبي، والغربي لدينا، ومعنى الآسيوي، فمع الموروث الذي يشير إلى توهّم التفوق بكل أشكاله، بدءاً من الجوانب الاستعمارية حتى رمي راية السباق في الكثير من المجالات والتسليم طوعاً بأننا لا يمكننا اللحاق بهذا الجنس المبهر، وصولاً إلى القيمة الفردية لكل من يحمل أوراق تلك الدول من خلال سفارات لا تتنازل ولا تتهاون في نيل حقوق مواطنيها، وملاحقة من يمسّهم بأذى!

ما حدث لا يمكن التعامل معه على أن الفتاة “تستاهل” لأنها دخلت عشّ الدبابير، فهذا يسهل وقوع الجرائم، ويذكي “الغابويّة” في حق الأقوى أن ينتهش كل من يدخل في إطاره ودائرته، لأن ذلك ذنبه.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية