+A
A-

السعودية تحتفل باليوم الوطني 88 ومسيرة عطاء وإنجازات ونماء

يبدو احتفال المملكة العربية السعودية الشقيقة في الـ 23 من سبتمبر 2018 بالأعياد الوطنية مختلفا هذا العام قياساً باحتفالات الأعوام السابقة، وذلك لأكثر من سبب، فمن جهة، فإن احتفال هذا العام بذكرى قيام المؤسس جلالة الملك عبد العزيز آل سعود  رحمه الله بتوحيد أراضي البلاد تحت راية واحدة أعتبر ومازال بمثابة موعد مع القدر حيث استطاعت المملكة الموحدة طوال أكثر من ثمانية عقود تحقيق الكثير من المنجزات، وتمكين شعبها الشقيق من توسيع هامش خياراته، ومواكبة التطلعات التي يصبو إليها.

وتجيء احتفالات المملكة السعودية الشقيقة بأعيادها الوطنية هذا العام من جهة ثانية في ظل ظروف اقتصادية وإقليمية ودولية صعبة، ظروف ألقت بظلالها على النسق العالمي ككل، وبالرغم من ذلك استطاعت الرياض بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله من التعاطي معها، والحد من تداعياتها وانعكاساتها التي طالت كثير من دول المحيط، المجاور منها وغير المجاور.

ولا أدل على ذلك من مواصلة الرياض رغم التحديات والمخاطر من ممارسة دورها وثقلها في كثير من أزمات المنطقة والعالم، وحفظت بمواقفها الثابتة والراسخة للأمتين العربية والإسلامية مواردها ومقدراتها.

وتمثل احتفالات المملكة السعودية الشقيقة بأعيادها الوطنية الـ 88 من جهة ثالثة وأخيرة، إيذانا ببدء مرحلة جديدة من مراحل البناء والعمل والتطوير التي شرعت فيها المملكة منذ عقود، ولم تتوقف إلى اللحظة، ولن تتوقف بمشيئة الله تعالى، استجابة لطموحات أهلها الكرام وتطلعات الأجيال القادمة وآمال أبناء الأمتين العربية والإسلامية وللإنسانية جمعاء.

وها هي مسيرة العمل الوطني تتواصل وتمضي قدما لتنعم البلاد بمزيد من الأمن والاستقرار الذي لولاه ما كان للسعودية أن تصل إلى ما وصلت إليه من مكانة تُحسد عليها، فضلا عن الرخاء والازدهار الذي شمل كل الأصعدة، وأحاط بظله الوارف الجميع.

لقد كان تاريخ المملكة السعودية الشقيقة، الحديث منه والمعاصر، تجربة إنسانية لا يمكن لها أن تُنسى، ويمكن أن تُسطر بحروف من نور في تاريخ الأمم والشعوب، وفي تجارب النمو والنهضة العالمية الناجحة، بل ويحق لأبناء المملكة أن يفخروا حاليا بكثير من الدروس والعبر والعظات التي يمكن أن يستذكرونها بفخر ومباهاة، سيما أن هذه التجربة النهضوية حملت الكثير من القيم، وشملت الكثير من الجهود التي أوصلت الرياض إلى المكانة التي يعتز بها كل عربي ومسلم الآن.

وتتعدد هذه الجهود لتشمل جهود وضع اللبنات الأولى للدولة السعودية الحديثة، بداية من جهود الكفاح والنضال من أجل تحقيق وحدة أراضي الدولة والتلاحم بين مكونات الشعب، والتي امتدت زهاء أكثر من 3 عقود على الأقل، خاصة أبان بدايات القرن 1902 وحتى العام 1932، وما زالت بعض ملامحها قائمة إلى الآن في ظل التهديدات والمخاطر المحيطة، ومحاولات التدخل في الشؤون الداخلية التي تحدق بكيان وسيادة الدولة، ووقفت لها القيادة السعودية بالمرصاد.

ولم تنتهِ هذه الجهود بتأسيس الدولة المعاصرة التي تضاهي في بنيانها ونظمها أعرق الدول المتقدمة من حيث ترسيخ القانون والهياكل المؤسسية التي انتشرت في ربوع أرجاء المملكة السعودية ككل، وعبر حدودها مترامية الأطراف.

وبالرغم من الظروف والإمكانات الاقتصادية المتواضعة التي شهدتها البلاد في مراحل بداياتها الأولى، ومع ذلك نمت وازدهرت بفضل الله تعالى وتضحية رجالاتها المخلصين، وعم خيرها أبناء الشعب السعودي كافة، وأبناء الأمتين العربية والإسلامية.

ولا يمكن غض الطرف بالطبع عن الجهود المتواصلة إلى الآن من أجل تحقيق النهضة الوطنية الشاملة، والتي تجاوزت في الحقيقة كل مفردة من مفردات الحياة على أرض المملكة السعودية الشقيقة، خاصة أنه تم إيلاء رعاية خاصة لكل الجوانب السياسية والإدارية والثقافية والتعليمية والاجتماعية وغيرها.

ويمكن إبراز ذلك بالإشارة إلى بعض ملامح من هذه المنجزات الوطنية، والمكتسبات التي ينعم بها كل مواطن سعودي في الوقت الراهن، وتجعله فخورا بمسيرة البناء والتنمية خلال العقود الثمانية الماضية.

أولا: تجسيد حقيقة الوحدة الوطنية بمعانيها الشاملة في دولة تعد من الدول كبيرة الحجم عالميا وليس إقليميا فحسب سواء من حيث المساحة وطبيعة التضاريس والموقع الجغرافي، فالمملكة السعودية تعتبر دولة مترامية الأطراف متعددة الحدود يزيد عدد سكانها والمقيمين فوق أرضها عن الـ 30 مليونا، وهو ما يفرض تحديا بعينه ينبغي التعامل معه بروية وحنكة ونهج محدد.

وهذا النهج القويم الذي انتهجته المملكة السعودية الشقيقة هو ما أسهم في تعزيز الانتماء لأرض هذا الوطن والولاء لقيادته، ونجح في دعم وحدة الصف والبناء المجتمعي الواحد، وفي بناء مشروع تنموي ناهض شمل الجميع قابلا للتطور، ومعتمدا السواعد الوطنية كركن رئيسي له، ومتأسسا على نهج عقدي واضح قوامه هدي القرآن الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

ثانيا: دبلوماسية نشطة ومواقف سياسية ثابتة وواضحة على الساحتين الإقليمية والدولية، وهو ما ضمن للمملكة العربية السعودية أن تؤسس لنفسها المكانة المرموقة التي ترجوها في نفوس أشقائها الخليجيات، فضلا عن الدول العربية والإسلامية، وتسجل حضورا عالميا يحسب له الجميع حسابه، وكفل للمنطقة وللأمتين العربية والإسلامية حفظ وحماية مقدراتهما ومقومات قوتها والقضايا المعنية بها.

ولا شك أن هذه الدبلوماسية السعودية القوية تؤكد الدور والثقل الذي تتمتع به الرياض في حماية أمن المنطقة واستقرارها أمام ما يواجهها من أخطار، وبخاصة في مملكة البحرين، التي عبرت مرارا وتكرارا عن تقديرها للمواقف السعودية إزاء التهديدات والتدخلات الخارجية في شؤونها، وأسهمت بذلك في تحقيق منعتها وحصانتها أمام النوايا العدوانية والتطلعات الإقليمية لبعض الأطراف ذات الأجندات التوسعية.

ثالثا: العمل كقطب توازن ومحور استقرار وضمانة أمنية، حيث لا يخفى مدى ما تمثله مكانة الرياض على صعيدي الأمن والاستقرار، الاقتصادي منه والسياسي، الإقليمي والعالمي على السواء، فالمملكة العربية السعودية الشقيقة ومواقفها وجاهزيتها تردع أي تجاوزات أو مخططات تحاول المس بأمن واستقرار المنطقة والإقليم، كما أن موقعها في سوق النفط العالمي يمثل نقطة الارتكاز الرئيسية له.

ولعل دورها الأخير في رعاية اتفاق المصالحة بين دولتي إثيوبيا وإريتريا دليل واضح على ذلك، حيث تملك الرياض من التقدير والاحترام ما يؤهلها إلى الاستماع إليها، فضلا عما تتمتع به من ثقة وما تملكه من قوة على حشد وتوحيد المواقف، واستقطاب الأطراف والقوى الفاعلة، وبناء الشراكات والتحالفات، وتعزيز القائم منها، علاوة بالطبع على تجربتها الخاصة في حلحلة الملفات وتسوية الصراعات، ومن ذلك قضية التطرف والإرهاب، وهو الأمر الذي كفل له ممارسة دور مقدر في مجال إرساء الأمن والسلم الدوليين.

كما أنه من المعروف أن المملكة السعودية من بين القوى الـ 20 الأكثر تأثيرا في العالم، ودور خادم  الحرمين الشريفين حفظه الله مشهود كأبرز الدعاة للسلم والتعايش والحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات، وجهود المملكة المتواصلة في خدمة القيم الإنسانية العليا ومساعدة الناس محل تقدير وإشادة، وهي كلها مؤشرات تبرهن على حقيقة النجاح الذي حققته سياسات المملكة في الداخل، ومكنها من حيازة هذا الثقل الذي تتمتع به في المحافل الخارجية.