+A
A-

ثقافة أبوظبي تنظم محاضرة "الترجمة في خدمة النهضة"

احتفاء باليوم العالمي للترجمة الذي يوافق  30 سبتمبر من كل عام، نظّمت دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، مساء أمس، محاضرة تحت عنوان "الترجمة في خدمة النهضة" في منارة السعديات، بمشاركة كل من الأستاذ عمر الأيوبي مدير قسم الدراسات والترجمة في مجموعة معارف، والدكتور شهاب غانم مدير عام متقاعد، مدينة محمد بن راشد للتقنية، فيما أدار الجلسة الأستاذ زكريا أحمد.

واستهل الأستاذ عمر الأيوبي كلمته بشرح الظروف التي مهّدتْ للترجمةِ التي تعد سبيل النجاح في خدمة النهضة، ومن ثم تطرق إلى الظروف السائدة اليوم، وكيف تقف عائقاً أمام تحقيق النتائج المرجوّة من الترجمة، حيث تُعقدُ كثيرٌ من المؤتمراتِ والندَواتِ واللقاءات لمناقشةِ قضايا الترجمةِ واللغةِ العربيةِ في كل عام، وتخرجُ بتوصياتٍ واقتراحاتٍ دون أن ينفّذَ منها شيء، ولأنّ العالمَ يتطوّرُ بوتيرةٍ سريعةٍ جداً، ونحاولُ اللَّحاقَ به ومجاراتِهِ يشتّى السبُل، يتّسع البونُ بين المفاهيمِ الجديدةِ المعبّرِ عنها باللغةِ العربيةِ وبين اللغةِ العلميةِ الأصلية، ما يسهّلُ استخدامَ اللغاتِ الأجنبية، لا سيما الإنجليزية، في حياتِنا اليومية، ويؤدّي إلى إهمالِ اللغةِ العربيةِ وتعزيزِ الاهتمامِ باللغات ِالأجنبية.  

وأشار الأيوبي أن الترجمةَ أدتْ إلى نهَضاتٍ كبرى بفعلِ التحوّلاتِ الفكريةِ والعلميةِ التي خلّفتْها الأفكارُ والعلومُ الواردةُ من الأممِ الأخرى. ويشهدُ على ذلك أن حركةَ الترجمةِ من اليونانيةِ والفارسيةِ في العصرِ العباسي، في النصفِ الأولِ من القرن التاسع الميلادي، أدّتْ إلى ازدهارِ الحضارةِ الإسلاميةِ وتصدُّرِها المشهدَ العلميَّ والحضاريَّ في العالم. كما أسهمتْ حركةُ الترجمةِ من العربيةِ إلى اللاتينيةِ، في القرنينِ الثاني عشرَ والثالثِ عشر، في ولوجِ أوروبا عصرَ النهضةِ. وحديثاَ، أدّتْ حركةُ الترجمةِ في اليابان، في أواخرِ القرنِ التاسعِ عشر، ثم في أعقابِ الحربِ العالمية الثانية، إلى تقدّمِ اليابان وتبوُّئها مكانتها المرموقةَ في المجالِ العلميِّ والتكنولوجي.

واختتم الأيوبي مداخلته بالقول لكي تُحدثَ الترجمةُ الغايةَ المرجوّةً منها، وتُسهمَ في تحقيقِ النهضةِ، يجب أن تترافقَ معَ بذلِ الجهودِ لإعلاءِ شأنِ اللغةِ العربيةِ بين أهلِها. فقوةُ الترجمةِ في الوطنِ العربيِّ لا ترجعُ إلى قوةِ اللغة، بل إلى رغبةِ أهلِها وقوّتِهم. والزعمُ بأنّ اللغةَ العربيةَ عاجزةٌ عن استيعابِ العلومِ والتقنياتِ غيرُ صحيح، بلِ العجزُ في أهلِها، الذين أهملوا لغتَهم، وحرموها من التفاعلِ المستمرِّ مع حاجاتِ المجتمع، ما أدّى إلى تقدّمِ المجتمعِ بوتيرةٍ أسرعَ من تقدُّمِ اللغة. فتباعدتِ المسافة بمرورِ الوقتِ بينَ حاجاتِ المجتمعِ وقدرةِ اللغةِ على الوفاءِ بتلك الحاجات، ولجأ المجتمعُ إلى اقتباسِ المفرداتِ الأجنبيةِ التي تعاظمَ شأنُها، إلى حدٍّ أصبحتْ فيه اللغةُ غريبةً عن أبنائها.

ومن جهته، قال الدكتور شهاب غانم إنّ القفزات الحضارية في العصور الماضية اعتمدت إلى حد كبير على الترجمة، فالتقدم الكبير والسريع للحضارة العربية الإسلامية في العصر العباسي الأول استفاد فائدة كبرى من ترجمة العلوم السابقة لدى الإغريق والفرس والهنود وغيرهم وكان خليفة مثل المأمون يكافئ المترجم بإعطائه ذهباً بوزن الكتاب الذي يترجمه. ولكن العرب استوعبوا ما ترجموه ومحصوه ونقدوه  ونخلوه وطوروه وقفزوا قفزة هائلة بالرياضيات وعلوم الفلك والكيمياء والبصريات والميكانيكا (أو ما كانوا يسمونه بعلم الحيل) والهندسة المعمارية والجغرافيا والموسيقى والفلسفة والطب، ونحن نعلم أن كتاب ابن سيناء "القانون" ظل يدرس في بعض كليات الطب في جامعات أوربا حتى القرن السادس عشر. وأسس الخوارزمي علم الجبر وجداول اللوغريتمات والتي اشتق اسمها من اسمه، وحل معادلات رياضية من الدرجة الثانية لأول مرة في تاريخ البشرية المعروف، وأسس لعلم التفاضل والتكامل أي الـ calculus   وقد استفاد اسحق نيوتن كثيرا من إنجازاته، وهذان مجرد نموذجان من عشرات العلماء العرب في العهد الوسيط. ثم جاء الغرب واستطاع أن يحقق عصر النهضة الأوروبية بين القرن الرابع عشر والسابع عشر الميلادي مستفيداً كثيراً من ترجمة الإنجازات العلمية للعرب، ثم انطلقوا نحو عصر التنوير وبعد ذلك الثورة الصناعية والعصر الحديث بينما دخلت الأمة العربية الإسلامية في مرحلة بيات طويل ما زالت تعاني منه وليس هنا مجال الحديث عن أسبابه.

وتابع غانم حديثه بالقول "لقد أدرك العرب أنهم تخلفوا عن ركب الحضارة في مختلف مجالات العلوم النظرية والتطبيقية وفي البحث العلمي والابتكار وفي التنظيم والإدارة، فحاولوا الاستفادة من تجربة الغرب منذ عهد محمد علي باشا في النصف الأول من القرن التاسع عشر فأرسل بعثات دراسية إلى دول أوربية لدراسة العلوم المتنوعة، كما أنشأ مدرسة الألسن عام 1836 لإدراكه أهمية الترجمة ورأسها رفاعة رافع الطهطاوي الذي ذهب مرافقا لبعثة كأمام ودرس الفرنسية هناك، وكتب كتابه المشهور "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" من وحي زيارته لباريس. وكما كانت العربية لغة العلم في العالم وكان ملوك أوربا يرسلون أباءهم للدراسة في الجامعات العربية بالأندلس. واليوم أصبحت الإنجليزية هي اللغة السائدة في العالم في زمن العولمة لا لأنها لغة الإنجليز وبريطانيا فقط ولكن لأنها أيضا لغة أمريكا وكندا وأستراليا وأيضا لغة رسمية في الهند وبعد الدول الأخرى. وانحسرت في العقود الأخيرة كثيرا من اللغات لصالحها وقد انتشرت في زمن الاستعمار البريطاني الذي كانوا يقولون أنه لا تغرب عنه الشمس. وأذكر في طفولتي أنه كانت هناك محاولة لخلق لغة عالمية اسمها الإسبرانتو ولكنها محاولة فشلت. والمدارس في بعض البلدان العربية أصبحت تولي الإنجليزية أهمية كبيرة والطلبة يقبلون عليها بسبب أهميتها لسوق العمل ولكن المشكلة هي الضعف الذي بدأ يسري لديهم في اللغة العربية. وبسبب تعليم الطب والهندسة والمواد العلمية البحتة وأيضاً الإنسانية في معظم جامعات الدول العربية بالإنجليزية تفاقمت المشكلة، وأصبحت الحاجة للترجمة إلى الإنجليزية تتضاءل، فلا بد من معالجة كل هذه الأمور على أعلى المستويات".

كما تحدث غانم عن تجربته الشخصية مع الترجمة بالقول "لقد درست الهندسة والعلوم الإدارية والاقتصادية باللغة الإنجليزية في الجامعات الأجنبية وحصلت على شهادات عليا في هذه المجالات بما في ذلك الدكتوراه. ولكن حبي للعربية والشعر العربي أبقاني قريبا من العربية ومتعلقا بها ودفعني إلى ترجمة نماذج من الشعر العربي المعاصر إلى الإنجليزية  وبالعكس، وأيضا ترجمة نماذج راقية من الشعر من مختلف اللغات الأجنبية إلى العربية عبر ترجمتها الإنجليزية".