تسيد الحديث عن مبادرة “التقاعد الاختياري” المشهد على الساحة البحرينية في الأيام الأخيرة، ونافس في حضوره النكت عن “مستنقعات الأمطار” و”المقترحات النيابية”، فالكثير من موظفي القطاع الحكومي باتوا “ينامون ويصحون” على فكرة الخروج إلى نظام التقاعد عبر هذه المبادرة بما توفره من مزايا مالية “مغرية”.

تُطرح مبادرة التقاعد الاختياري كخطوة ضرورية لمعالجة أزمة الدين وتحقيق “التوازن المالي” بين الإيرادات والمصروفات الحكومية، وهو أمر وارد الحدوث... غير أن المبادرة تحمل في طياتها أسئلة ومخاوف كثيرة، فمن المهم جداً أن لا نعالج مشكلتنا المالية، ونخلق فجوة/أزمة أخرى على صعيد تقديم الخدمات الحكومية الأساسية.

تفرض علينا الموضوعية أثناء تقييم مشهد “الخدمات الحكومية” أن نقر بوجود ترهل إداري واضح في بعض المواقع والجهات الرسمية، وهو واقع يمكن معالجته عبر إخراج “الفائض في القوى البشرية” من خلال المبادرة الجديدة، وتحويل بعض الخدمات “المكتبية” إلى المنصات الإلكترونية أيضا.

هذا أمر إيجابي دون شك ولكن الهاجس الأكبر - الذي يشاركني فيه كثيرون بشأن هذه المبادرة - هو خروج آلاف الموظفين المحترفين من القطاع الحكومي (أطباء، ومهندسين وممرضين ومعلمين)، وهو ما سيؤثر على كفاءة وجودة الخدمات الحكومية على الأرجح.

لعل من “محاسن الصدف” أن يتزامن تقديم آلاف البحرينيين طلبات “التقاعد الاختياري” مع الإعلان عن حصول البحرين على المركز الأول عربيا في “تنمية رأس المال البشري”، وهو مؤشر يعكس نمو الخدمات الصحية وتطورها في قطاع التعليم بفضل ما تمنحه القيادة من دعم كبير للقطاعين عبر إعطائهما الأولوية في توظيف الموارد البشرية اللازمة.

ومع توقع خروج أعداد ضخمة من القوى الاحترافية... هل تؤدي مبادرة التقاعد الاختياري إلى خفض عدد الممرضات المسؤولات عن رعاية المرضى المنومين في أجنحة السلمانية؟ وهل سيرتفع عدد الطلبة في الصفوف الدراسية؟ وهل سينهك المعلمون بتحميلهم عددا أعلى من الحصص فيضعفون أمام أداء المهام الرئيسية الأخرى كالتحضير والتصحيح والأنشطة الصفية وغير الصفية؟

جميع ما ذكر أعلاه بمثابة سيناريوهات مظلمة، أتمنى من المعنيين بتنفيذ هذه المبادرة الجديدة إبعاد بلدنا - الذي ضمن توفير خدمات التعليم الأساسية المجانية عبر دستوره – وإبعادنا عن هذه المنعطفات الخطيرة.