العدد 3694
الأحد 25 نوفمبر 2018
banner
المرحوم سمو الشيخ عبدالله بن خالد عَلَم الوسطية والاعتدال الخالد
الأحد 25 نوفمبر 2018

ستظل البحرين بشكل خاص، والعالمان العربي والإسلامي عمومًا، تفخر وتعتز بقامة المرحوم سمو الشيخ عبدالله بن خالد بن علي آل خليفة كسياسي ومثقف ومؤرخ ومفكر إسلامي بارز، وعَلَم شامخ من أعلام التسامح والتعايش والوسطية والاعتدال في العصر الحديث.

إن ما دعاني إلى استنهاض هذه الحقيقة الساطعة هو المرسوم السامي الذي صدر أخيرًا عن جلالة الملك المفدى بإنشاء “كلية عبدالله بن خالد للدراسات الإسلامية” والتي من بين أهم أهدافها: إعداد كفاءات فكرية متمكنة من تعزيز الهوية العربية والإسلامية، وترسيخ مناخ الحرية والتعددية الثقافية، واحترام قيم المواطنة والانتماء، إلى جانب ترسيخ مفاهيم تعايش الأديان والمذاهب.

وانعكست رسالة الكلية وهويتها أيضًا من خلال تشكيلة مجلس أمنائها الذي ضم عددًا من المسؤولين والمختصين من الطائفتين الكريمتين السنية والشيعية، من بينهم رئيس مجلس الأوقاف السنية ورئيس مجلس الأوقاف الجعفرية.

إن إنشاء الكلية، في هذا الوقت بالتحديد، هي من دون أدنى شك، خطوة موفقة ورائدة وصائبة، وتستحق كل الإشادة والثناء لأنها جاءت إدراكًا واستجابة من قيادتنا الرشيدة للحاجة الماسة إلى خلق مؤسسات قادرة على التجاوب والتفاعل مع الاحتياجات الملحة والمستجدات والتحديات التي تواجه وحدة العرب والمسلمين وعقيدتهم.

إضافة إلى أن إطلاق هذا الاسم بالذات على الكلية جاء كأحد أوجه التقدير والتكريم والتبجيل لسمو الشيخ عبدالله بن خالد ولتخليد سجاياه ومناقبه ودوره المشهود في ترسيخ قيم المحبة والتآخي والتلاحم في وطننا الغالي، وليؤكد أيضًا الطبيعة والهوية الوسطية المعتدلة لهذه المؤسسة الوليدة، وسمو الشيخ عبدالله بن خالد جدير حقًا بهذا التقدير والتكريم وأهل له.

وكنتُ قد كُلِفتُ وشُرِفت بعضوية مجلس الوزراء لعشرة أعوام متتالية من العام 1995 حتى العام 2005م، وقتها كان المرحوم سمو الشيخ عبدالله بن خالد وزيرًا للعدل والشؤون الإسلامية، وقد جمعتني بسموه اجتماعات مجلس الوزراء، إلى جانب عضويتي في عدد من اللجان الوزارية التي كان يترأسها سموه، وقد وجدت في المرحوم كل معاني الإنسانية والشهامة والنبل، وجدته أبًا راعيًا ومرشدًا وموجهًا، كان رحمه الله شخصية وقورة متزنة لها حضورها المتميز الذي يفرض الاحترام والإكبار، كان المرحوم صبورًا حكيمًا، وكان بالفطرة إداريًا وسياسيًا مقتدرًا، لم أره غضِبًا أو منفعلًا قط في يوم من الأيام، بل كان دائمًا رابط الجأش وفي غاية الحلم والبشاشة والروية، وكان في الوقت نفسه حازمًا صارمًا في نصرة الحق، لا يخاف في الله لومة لائم، عميق الإيمان شديد التعلق بالله، فخورًا بِقِيَمِهِ وانتمائه الإسلامي، لكنه لم يكن منغلقًا أو متعصبًا أو متشددًا قط، بل كان قمة في الاعتدال والتسامح والإنصاف، بعيدا كل البعد عن الطائفية وأدرانها، ولم يعرف التفرقة بين الناس على أي أساس من الأسس، لقد كان الشيخ عبدالله منفتحًا لقناعته الراسخة في نفسه وفي عقيدته ولم يكن يعتقد أن أي وجه من أوجه التقدم الحقيقي والتطور والنمو يناقض الإسلام أو يهدده.

لقد أعطى وساهم المرحوم بكل إخلاص وكفاءة وتفان في صناعة تاريخ البحرين وتطورها، وله مواقف ومآثر ومعالم كثيرة تشهد له بذلك، وكما يقول المثل، “من خَلَّفَ ما مات” فقد خلف المرحوم وراءه ذخيرة وافرة غنية بالإنجازات البارزة يصعب حصرها ولو بإيجاز في هذه الوقفة القصيرة، وكان آخرها الإشراف على إنجاز مكتبة ومركز عيسى الثقافي الذي أصبح الآن من أهم المرافق والمعالم الحضارية والثقافية والمعمارية في البلاد، كما خلف وراءه ذرية طيبة صالحة ظلت تحذو حذوه وتتابع مسيرته وتسير على هديه وخطاه في العطاء وخدمة الوطن، سأذكر اثنين منها فقط، الأول، ابنه الأكبر الشيخ الدكتور محمد بن عبدالله آل خليفة، الذي تقلد مناصب وتحمل مسؤوليات عديدة في مختلف أجهزة الدولة، ولا يزال منهمكًا الآن في إتمام وإنجاز مشروع التأمين الصحي للبلاد، والآخر هو الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة، نائب رئيس الوزراء الذي يحمل الآن حقيبة واسعة مثقلة بالمسؤوليات والمهام الوطنية.

رحم الله سمو الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة، وشكرًا وألف شكر لصاحب الجلالة الملك المفدى لإصداره مرسوم تأسيس “كلية عبدالله بن خالد للدراسات الإسلامية” وإطلاق اسم هذا العَلَم عليها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية