العدد 3705
الخميس 06 ديسمبر 2018
banner
مستشارون في الدول العربية (2)
الخميس 06 ديسمبر 2018

لم يخطئ الكتّاب السابقون إذ يقولون إن للأمة العربية عوامل مشتركة كثيرة، ومنها الثقافة المشتركة، ومن بين مشتركات الثقافة أننا – على امتداد الوطن – إذا ما رأينا قراراً خاطئاً يصدر، نقول: أين المستشارين؟ وإذا ما عرفنا بعض المستشارين نستنكر ونستنكف صدور القرارات بمشورتهم، وهكذا نقوم بتحميل المستشارين أعباء لا يتحملونها إلا من باب ضيق.

المستشار في اللغة العربية، يُصنّف بأنه “اسم المفعول”، وتعريفه “يدل على من وقع عليه فعل الفاعل”، فهو ليس مُشيراً، إنما مُستشاراً، أي أنه ينتظر حتى “يقع” عليه فعل من وظّفه طالباً منه المشورة، وهي في الغالب غير ملزمة للمستشير، إنما يأخذها للاستنارة، وها هو صاحب الأمر النافذ يستشير، ويأخذ الآراء، ويجمعها، ويصدر ما يراه مناسباً، ليقال إن صاحب القرار يأخذ بالاستشارات ولا يصدر قراراته من وحي الخاطر، ووحي اللحظة.

المستشارون في جميع طبقات الدول، وحتى في المؤسسات والشركات الخاصة، إنما يُستأنس برأيهم، من دون أن نغفل مستشارين مارسوا أدواراً أكبر بكثير مما هو مرسوم لهم، وصاروا يديرون مؤسسات كبرى، بل يديرون دولا من وراء عباءة الحاكم.

لكن هناك مستشارين آخرين تقلّبوا في نعيم مناصبهم وبحبوحة عيشهم، حتى امتزجت النِّعم بلحومهم، وجرت منهم مجرى الدم، وصار من الصعب أن يعطوا الاستشارة الصادقة إن كانت ستكلفهم رغد العيش، وستبعدهم عن الأضواء والسلطة والسطوة، ويا للسلطة من شهوة، فمنهم من يلوذ بالصمت ويختبئ وراء الأكتاف إذا ما كان هناك خطب جلل يستدعي مشورته حتى لا يبدي رأياً، وهناك من المستشارين من يعرف ما الذي يسعد سيده، وما الذي يغضبه، يقرأ في وجهه ونبرة سؤاله الجواب الذي يحب وليّ نعمته أن يسمعه منه، فيقول تماماً ما يجد القبول لدى سيّده ليلقي على قراره الطمأنينة بأنه لم ينفرد به بل استشار أهل العلم. ومنهم – وهو أسوأهم على الإطلاق – من يستخدم كل ذكائه ومهاراته غير مكتف بتحسين القبيح، وتقبيح الحسن ليوافق هوى رئيسه، بل يلوي أذرع الحقائق، ويعيد تفسير النصوص الدينية، وربما لا يتورع إن تقوّل كذباً وزوراً على لسان نبيّ أو عالم، فيزيّن لمولاه سوء عمله.

أما الباب الضيق للمستشار، بأن يغادر منصبه إن رأى أنه يغرق في البلاء العظيم ورأيه غير محترم، فإن بقي؛ تحمّل نصيبه من الوزر.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .