العدد 3759
الثلاثاء 29 يناير 2019
banner
الحرب الخفية
الثلاثاء 29 يناير 2019

الكمال لله وحده، والمدينة الفاضلة لا وجود لها إلا في عالم المثاليات والتنظيرات والخيالات، فالواقع بأي دولة ومن بينها مملكة البحرين يحمل صورا شتى من الخير والشر، والسلبي والإيجابي، فهذا من الأمور المسلَّم بها بكل مجتمع وكل دولة.

ولكن تبقى الحرية المسؤولة في المجتمع، والكلمة الموضوعية الهادفة من قبل المفكرين والمثقفين، والنقد البناء من الصحافة ووسائل الإعلام أدوات مهمة وقوى إستراتيجية في مواجهة وتقويم الجوانب والمظاهر السلبية على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والسلوكية، وغيرها.

غير أننا في مملكة البحرين نلاحظ وكأننا نواجه ما يمكن أن نعتبرها حربا من نوع آخر، وذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تحولت لسلاح خطير في هذه الحرب بعد أن انحرفت - من قبل مستخدميها - كثيرا عن جادة الصواب، وانحازت في معظمها إلى كل ما يثير الإحباط والتشكيك والتخويف، وباتت تستهدف ثوابت المجتمع وأركانه ودعائمه المادية ومنظومته القيمية والأخلاقية.

جانب من هذه الرسائل التي تبث عبر هذه الوسائل وللأسف الشديد يحمل التقليل من مكانة المواطن البحريني بصور تعبيرية مختلفة من بينها النكات السمجة والساذجة، والرسائل والعبارات المحبطة عن وضع هذا المواطن؛ بهدف خلق صورة نمطية سلبية وسيئة عن المواطن ليس فقط للمراقب والقارئ خارج المملكة، بل حتى لأبنائنا وشبابنا، وهو ما يؤدي مع مرور الوقت إلى انعزال المواطن عن واقعه وتكريس إحباطه.

وهناك نموذج آخر من الرسائل التي تلعب على وتر حساس وخطير، وهو التشكيك بالأمن الداخلي عن طريق التخويف والتهويل لأي شيء يحدث مع إقحام جنسيات عربية في هذا الموضوع؛ لتشويه سمعة جنسية بعينها، وزرع الشك والخوف والفرقة.

بينما هناك نموذج ثالث من الرسائل التي تسعى لتخريب العلاقات المجتمعية وضرب اللحمة الوطنية من خلال التشهير بأشخاص واتهامهم بأبشع الاتهامات، والحط من سمعتهم وسمعة عائلاتهم تحت دعاوى ظاهرها الإصلاح والكشف عن الفساد، وباطنها هو تفريق المجتمع وزرع التشكيك فيه.

ما نتحدث عنه هنا لا يخص المجتمع البحريني فقط، بل هو موجود بصورة أو بأخرى وبدرجات متفاوتة في مجتمعات خليجية كثيرة من بينها السعودية والكويت، وغيرهما، فالأمر يكاد يكون ظاهرة تدفعنا للتساؤل عما إذا كان هناك مخطط أكبر لتفكيك هذه المجتمعات، أو أنه يتم الإعداد لسيناريو جديد وفصل ثان لما سمي بالربيع العربي، وغير خاف عنا ما حمله هذا الربيع الأسود من مآس وفظائع لا تزال تعاني منها العديد من المجتمعات العربية، ولم تستطع الفكاك منها أو التغلب عليها وتجاوزها حتى الآن.

ولأن هذه الحرب الخفية معقدة في أدواتها وخطيرة في أهدافها، فإن التصدي لها ومواجهتها هو ضرورة مجتمعية ومهمة قومية عاجلة لا تحتمل أي تهاون أو تراخ، وتستدعي تكاتف كافة الجهود وتضافرها، وتوجب على الدولة دراستها بما يؤدي لمعرفة “الجاني” أو “الجناة” والفرق المتخصصة في اختلاق الأخبار ونشر السموم وبث الفتن والشائعات وشق الصف، ومعرفة المستفيد مما يحدث من محاولات لإضعاف مجتمعنا وهدم بنيانه، وزرع الإحباط والخوف فيه.

مثل هذا الموقف الموحد ضد هذه الحروب الخفية علينا يبقى هو الخيار الضامن لبقاء مجتمعاتنا قوية بثوابتها وقيمها وأخلاقها ولحمتها، ووقوفها صفا واحدا خلف قيادتها ومواصلة منجزاتها على مختلف الأصعدة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية