العدد 3759
الثلاثاء 29 يناير 2019
banner
في الخطيئة الراسخة (2)
الثلاثاء 29 يناير 2019

كانت أحداث 11 سبتمبر 2001 شرارة تحوّلات زادت من الانحدار العربي العام الذي كان مشعشعًا أصلًا جرّاء تردّي محاولات تسوية النزاع مع إسرائيل على أسس غير عادلة وتعكس دوام ميلان الدفّة المؤثرة، دوليًا (وأميركيًا) صوب الجانب الإسرائيلي.. واستمرار ادّعاء العجز عن إنتاج شيء قريب من تلك التسوية التي تُعطي الفلسطينيين أقل من عشرين في المئة من أرضهم التاريخية، وتعيد إليهم الاعتبار والاعتراف بأنهم ضحايا وليسوا إرهابيين، وشعب تام قبل أن يكونوا لاجئين!

الانكسار الذي أصاب هذه المحاولة دلّ في الإجمال على أن الجانب العربي “أضعف” من أن يفرض حتى مسودة مشروع تسوية تليق بوصفها، وأعجز من أن يُنتج موقفًا إجماعيًا يُؤخذ دوليًا وأميركيًا على محمل الجدّ والتأثير.

ثمّ “توّج” باراك أوباما انكسار الميزان، وشرع في بلورة أخطر السياسات الخارجية في التاريخ الأميركي الحديث، وفي خلفية موقفه كانت 11 سبتمبر 2001 جاثمة بكل وطأتها باعتبارها نتاج “فكر” إسلامي أكثري ذاتي الدفع، أي من دون أية مقوّمات أو مسوّغات تتّصل بتراكم أشياء النكبة الفلسطينية بكل تفاصيلها وانعدام العدل فيها! ثم من دون المراجعة الذاتية (الأميركية) التي كانت لتفضي مثلًا إلى ملاحظة تشجيع أو دعم حركات الإسلام السياسي، في وجه القوميين واليساريين العرب قبل أفغانستان، ثمّ في وجه “السوفيات” في أفغانستان نفسها!

وخطورة باراك أوباما أنه كان اختصاريًا ولا يريد أن يرى الأمور إلا بعين واحدة.. مع أن “الإرهاب” حسب التوصيف الأميركي، بدأ مع الإيرانيين وأتباعهم، في الوقت الذي كانت “القاعدة” ومثيلاتها في أفغانستان تتمتّع بتوصيف “المجاهدين”!

ثمّ ركّب خلفية سياسته هذه على مُعطى انتهازي حسّاس وخطير هو الضرورة الحتمية لاحتواء المشروع النووي الإيراني بأية طريقة ممكنة، باستثناء الطريقة الصدامية العسكرية المباشرة.

“رأت” إيران المشهد بكليته وقرّرت أن الفرصة القائمة للانقضاض يجب أن لا تُفوَّت! وأن هذه هي اللحظة التاريخية الماسّية للشروع في تصفية الحسابات العالقة مع العرب منذ فجر الإسلام! وباسم الإسلام وقضايا شعوبه! ثم للشروع في مراكمة أوراق النفوذ وتوظيفها في المشروع المزدوج: الداخلي لتمتين سيطرة النظام وإطفاء أية جدلية تتّصل باستمرار “الثورة” رغم انتهاء أسبابها! والخارجي لإحياء إرث الشاه الخاص بدور الشرطي الذي لا يعني شيئًا آخر سوى الدور القطبي والمحوري بعد سقوط “الاتحاد السوفياتي!”. “المستقبل”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .