+A
A-

مصطفى السيد يكتب بصفاء مناسب لروح الطفل

يتوجه العالم اليوم برمته إلى الطفولة ، وقد سلك الاهتمام بالطفل دروبا مختلفة ، واتخذ له اتجاهات متقدمة جدا ، بحيث أصبح عالم الأطفال يشكل واحدا من المجالات المهمة والمتسعة جدا للدرس والدارسين من اختصاصات مختلفة ، وليس علم نفس الطفل هو العلم الوحيد الذي يلج عالم الطفل، يستطلعه ويكشف عن حقائقه المتزايدة كل يوم ، بل قد دخل الى تلك الحلبة عدد آخر من العلوم ، وقد تعدى البحث في عالم الطفل الوسائل المعتادة والطرق الكلاسيكية.

انتهيت للتو من قراءة كتاب " وطني الجميل" من تأليف الدكتور مصطفى السيد وهو عبارة عن  مجموعة قصصية تغرس حب الوطن في نفوس الأبناء وذلك عن طريق بطلة اسمها " منار" تعشق الطيور والبحر ومساعدة الآخرين وتسرد في لغة جميلة رائعة المواقع التراثية والسياحية في البحرين والتاريخ الأصيل لهذا البلد العزيز . القصة ترشد الأطفال إلى حب البيئة والتراث وتجدد ذكريات أيام زمان إلى جانب العديد من النصائح المهمة للأطفال .

حقيقة لقد لسمت من خلال قراءتي القصة ان المؤلف اعتمد على الشاعرية كنسيج للقصة ، ومزج الشاعرية بترسيخ الإيقاع الثقافي مزجا فريدا حقا ، فما يكتبه السيد لا يمكن ان نسميه بالقصة التقليدية وإنما ابتعاد شبه كامل عن المألوف ..روح حكاية شعبية مليئة بالتشويق والموائمة لخيال الطفل ، وتكاد تسيطر عليها موضوعية واحدة وهي موضوعية حب الوطن والدفاع عنه والمحافظة عليه .

مصطفى السيد يكتب بصفاء مناسب لروح الطفل ولا سيما المراحل الأولى ، حين يكون الطفل أكثر طفولة ، وقصة " وطني الجميل " فيها من القوة اللازمة التي تثرى عقلية الطفل وتزرع في نفسه القيم والمبادئ والوطنية والإخلاص والاستقامة وحب الوطن بطريقة متينة وعبر لغة بسيطة تنساب كالماء الهادئ المعتدل السرعة . لغة تتمتع بطراوة روحية تؤسس في عقلية الطفل معنى حب الوطن ، كما يكتب في الفصل الثالث  والمعنون " البحرين جميلة ".

( أي والله البحرين جميلة بشوارعها وبنخيلها وبساتينها وتاريخها وأثارها وبشعبها الطيب..هذا ما كانت منار تردده وهي منغمسة في أفكارها وحبها لوطنها عندما قاطعها والدها قائلا:بم تفكرين يا منار ؟ قالت منار: أفكر في جمال بلادي ، فقال الوالد : فعلا البحرين جميلة وسوف نخرج غدا في كشتة جميلة حتى أطلعكم على جمال البلد ، قالت منار بتعجب : وما هي الكشتة يا أبي ؟ ضحك الأب وقال : الكشتة هي الرحلة كما كنا نسميها سابقا ).

السطور السابقة ترسخ في داخل الطفل قيم الخير والمحبة والوطنية والتغني والتفاخر بالتراث والعادات والتقاليد ، ولعل الشيء المهم الذي أود ذكره هو ان قصة " وطني الجميل " يتوقف سر روعتها ومزيتها على الشاعرية واللغة الفنية ومخاطبة روح الطفل بدلا من ذهنه ، ومليئة بالتاريخ والموروث الشعبي .

في مقام أخر يكتب المؤلف :

(كان للجدة آنذاك الأثر الكبير في غرس القيم الطيبة والأخلاق الحميدة، واحترام الكبار ، والتمسك بأطيب العادات . وبعد انتهاء الحكايات التي لا ينساها الأطفال أبدا يقبلون رأس الجدة احتراما وتقديرا ويستعدون للنوم ).

قصة " وطني الجميل" فيها من الخصائص اللغوية والبيانية ما يجعل الإنتاج يؤثر ويحمل على التفكير ويأخذ اللب ، هذا هو الأدب الذي يمتلك حساسية جديدة ونظرة ثاقبة ويؤثر فيك ويحملك على التفكير ويثريك من حيث الوجدان والأحاسيس.