+A
A-

ساراييفو تبحث عن بعضٍ من دفء الشعلة الأولمبية

كانت لحظة فخر لكل يوغوسلافيا يوم رحبت ساراييفو بأبرز رياضيي العالم في جبالها المكسوة بالثلج لأولمبياد 1984 الشتوي. بعد ثلاثة عقود، تأمل المدينة في أن تعيد استضافتها لمهرجان الشباب الشتوي الأوروبي، بعضا من دفء الشعلة الأولمبية، الى عاصمة دولة ولدت من رحم نزاع دامٍ.

بين التاسع من شباط/فبراير و16 منه، تستضيف عاصمة البوسنة والهرسك الحدث الأوروبي الذي يعيد الى أذهان توميسلاف لوباتيتش - ممثل يوغوسلافيا في رياضة البياتلون في أولمبياد 1984 - "اللحظة الأخيرة" من الوحدة والفخر في الدولة السابقة (يوغوسلافيا) التي تفككت بعد نحو سبعة أعوام، وغرق البلقان معها في سلسلة من النزاعات والحروب التي لم تندمل جراحها.

ويقول الرياضي السابق الذي أصبح مدربا لمنتخب البياتلون البوسني "كان الجميع لا يزال يحب العلم (اليوغوسلافي)"، يوم أقيم الأولمبياد الشتوي.

خلال مسيرته، توج لوباتيتش بطل يوغوسلافيا أربع مرات في رياضته، لكنه فشل في التتويج بأي ميدالية في أولمبياد 1984. وشهدت دورة الألعاب تلك تتويج السلوفيني يوري فرانكو بفضية سباق التعرج العملاق.

في ذلك الوقت، كان كل رياضيي الدولة البلقانية من اليوغوسلاف. لكن في بوسنة ما بعد الحرب، بات هؤلاء يعرفون بهوياتهم المختلفة: توميسلاف لوباتيتش هو بوسني صربي، وبيبييا كيرلا الذي شارك أيضا في الدورة الأولمبية، هو بوسني مسلم.

بعد نحو عقدين من الزمن، لا تزال آثار نزاع أعوام 1992-1995 بين مسلمي البوسنة والصرب والكروات، والذي أودى بحياة نحو 100 ألف شخص، ماثلة أمام أعين الجميع. حتى ساراييفو هي ضحية ما يشبه "خطوط تماس" افتراضية بين مختلف مناطق المدينة، لاسيما وسطها الذي تقطنه غالبية مسلمة، وشطرها الشرقي الذي يهيمن عليه الصرب.

- "مدينتان، حلم واحد" -

لكن دورة الألعاب التي تقام بدءا من هذا الأسبوع، ينظر إليها على أنها فرصة نادرة للوحدة في مدينة تتوق دائما للبحث عن أسس مشتركة.

وتحت شعار "مدينتان، حلم واحد"، عقد رئيسا بلدية ساراييفو عبدالله سكاكا، وشرق ساراييفو نيناد فوكوفيتش، مؤتمرا صحافيا مشتركا أبديا فيه الرغبة بـ "إحياء روح الألعاب الأولمبية" خلال الدورة الأوروبية للشباب.

وسيجمع هذا الحدث الرياضي أكثر من 1500 شاب من 46 دولة أوروبية، سيتنافسون في البوسنة في رياضات عدة منها التزلج الألبي والتزحلق الفني على الجليد وغيرها.

وقال سكاكا "نريد أن نكوّن ذاكرة جديدة، ودينامية إيجابية تكون بمثابة أساس لأوقات أفضل".

ولا تزال بعض المنشآت التي استخدمت في أولمبياد 1984، شاهدة على زمن كانت فيه ساراييفو مدينة واحدة مسالمة. فحلبة الزلاجات ("بوبسليه") على جبل تريبفيتش تغطيها رسوم "الغرافيتي" الملونة، في حين أن منشآت القفز على الثلج في جبل إينغمان تركت لآثار الزمن والتآكل.

أما المتحف المقرر إنشاؤه كتذكار للأولمبياد الشتوي، فلا يزال طور البناء بعدما تعرض للقصف خلال الحصار القاسي الذي فرض على ساراييفو في تسعينات القرن الماضي، وأدى الى مقتل نحو 11 ألف شخص.

ويقول مؤسس المتحف إدين نومانكاديتش إنه عازم على الحفاظ على الارث الرياضي كذكرى لواحدة من الذكريات السعيدة في تاريخ ساراييفو.

ويوضح لوكالة فرانس برس إن ذاكرة المدينة في القرن العشرين تبدأ "من حادثة اغتيال أدت الى اندلاع الحرب العالمية الأولى، والحصار، وأخيرا الألعاب الأولمبية"، مضيفا "الأولمبياد كان حدثا إيجابيا استثنائيا، على مستوى عالمي. لهذا من الضروري أن نحافظ على هذه الذكرى".

ويبدي نومانكاديتش أمله في أن يرى الجيل الجديد الاختلافات في المدينة "كعامل غنى وليس كخطأ".