+A
A-

علاقات المنامة بلندن.. التاريخ يمهد الطريق لفتح آفاق جديدة

ينعقد في البحرين يوم الأربعاء الموافق 20 من فبراير الجاري، الاجتماع الوزاري الـ 11 لفريق العمل المشترك بين مملكة البحرين والمملكة المتحدة، وذلك لمناقشة علاقات الصداقة التاريخية المتينة التي تربط البلدين، والتي تعود إلى قبل بدايات القرن الـ 19، وسبل تعزيزها وتطويرها في المجالات كافة، ولتبادل وجهات النظر بشأن المستجدات الإقليمية والدولية، لا سيما على صعيد مكافحة الإرهاب، وكيف يمكن العمل على مجابهة تداعيات ذلك على أمن واستقرار المنطقة والعالم.

وكانت البحرين قد استضافت قبل عدة أيام الاجتماع التحضيري لفريق العمل المشترك بين البلدين، والذي شهد مناقشات واسعة حول العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، والتي جاء على رأسها: دعم النهج الإصلاحي الشامل الذي تتبعه المملكة منذ أكثر من عقد ونيف، وتعزيز برامج التعاون العلمي والتعليمي والثقافي والبيئي، ومدى إمكانية الاستفادة من التقدم البريطاني في مشروعات دعم الطاقة البديلة والنظيفة في البحرين، وبخاصة في ظل الحاجات التنموية المتزايدة بالبلاد.

وتشهد العلاقات البحرينية البريطانية زخما كبيرا، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل رئيسية، أبرزها: العلاقات التاريخية الممتدة بين البلدين، سيما منذ أن وُقعت المعاهدة العامة للسلام عام 1820م، والتي تعززت أعوام 1861 و1880 و 1892م، حيث كان للاتفاقيات التي وقعت في هذه الفترة آثارها المهمة، إذ أكدت الشخصية القانونية للبحرين ومؤسساتها الإدارية، ووفرت الحماية لها، وأقرت استقلاليتها، وعززت من موقعها كمركز للعمليات التجارية، فضلا عن ضمان ونشر ربوع الأمن والاستقرار في الإقليم ككل.

وزاد تطور ورسوخ العلاقات مع بدايات القرن العشرين وبخاصة منذ عام 1935م إثر نقل القاعدة البحرية البريطانية الرئيسية في الخليج للبحرين وترافق ذلك مع ظهور النفط، وحتى إعلان الاستقلال وتوقيع معاهدة الصداقة 1971م، ونمو وتشعب الروابط التجارية التي ربطت بين البحرين والهند والضفة الشرقية لمياه الخليج العربي، كما اتسمت هذه الفترة بإنشاء المزيد من الأجهزة، لا سيما القضائية منها، وإصلاح الأجهزة المالية والإدارية، وزيادة ثقل موقع البلاد التجاري ومصالحها الخارجية، وارتفاع إيراداتها.

وإضافة لعمق العلاقات التاريخية التي تربط البلدين وتشعبها، فإنها توطدت في العصر الحديث مع حجم الزيارات المتبادلة بين كبار مسؤولي المملكتين، وتوقيع العديد من اتفاقات وبروتوكولات التعاون والتنسيق، والتي شملت المجالات كافة، ومن بين ذلك: اتفاق لتشجيع وحماية الاستثمارات عام 2006، واتفاق تعاون بين بورصتي البلدين عام 2007م، ومذكرتا تفاهم بين حكومتي البلدين في المجالات المرتبطة بالقطاع الجمركي عام 2008م، واتفاق للتعاون الدفاعي عام 2012م، وغيرها.

وقد مثَّل عام 2016م احتفاليات ذكرى مرور 200 عام على العلاقات البحرينية – البريطانية، وجسَّد بحق مدى عمق العلاقات الودية والتاريخية القائمة بين البلدين والشعبين الصديقين، والرغبة في تدعيم التعاون والترابط بينهما، خاصة عقب زيارة الأمير تشارلز ولي العهد البريطاني - أمير ويلز، للمملكة، وعقب حضور حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى مهرجان ويندسور الدولي، والذي دُشن في إطاره كتاب "تاريخ العلاقات البحرينية البريطانية خلال مائتي عام".

كما شاركت في العام نفسه رئيسة الوزراء البريطانية في قمة مجلس التعاون الخليجي التي انعقدت بالمنامة بحضور قادة وزعماء دول الخليج العربية، وبنفس المناسبة وفي إطار الاحتفالات بمرور 200 عام على إقامة وتأسيس العلاقات المشتركة افتتح سمو الشيخ عبد الله بن حمد آل خليفة الممثل الشخصي لجلالة الملك معرض "سبيت فاير" في مجال الطيران العسكري والمدني في متحف البحرين الوطني، وغيرها من الفعاليات والأنشطة التي أقيمت آنذاك احتفاء بتاريخية العلاقات الثنائية.

ويصف المراقبون العلاقات البحرينية البريطانية بأنها من أكثر العلاقات بين الدول ثباتا ورسوخا ومن ثم تطورا وازدهارا في تاريخ العلاقات الدولية ككل، وهو ما تأكد أكثر خلال عام 2018م، وذلك في مناسبتين مهمتين، إحداها: حضور صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء حفل تخريج طابور عرض القائد البحري لمرشحي ضباط الكلية البحرية الملكية البريطانية بالمملكة المتحدة، وكلمته المهمة التي ألقاها سموه بهذه المناسبة.

الأخرى: افتتاح منشأة الإسناد البحري البريطاني بمملكة البحرين، التي وُصفت بأنها أول منشأة تفتتحها البحرية الملكية البريطانية خارج مياهها الإقليمية منذ 50 عاما، وهي نقلة نوعية في تاريخ العلاقات المشتركة، سيما أنها تؤكد الدور المحوري الذي تقوم به المملكتان من أجل الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة ككل، كما أنها تشكل تجسيداً واضحاً للالتزام المشترك بتعزيز أطر التعاون والتنسيق الثنائي حيال مختلف التحديات مثلما أكد على ذلك معالي الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير الخارجية.

ولا شك أن الروابط الاقتصادية والأهلية التي تجمع البحرين وبريطانيا تسهم إلى حد كبير في تمتين أواصر العلاقات المشتركة وتزيدها عمقا وتواصلا، وذلك بجانب عاملي التاريخ والاتصالات المتبادلة، فبحسب الكثير من التقارير، وفي ظل الجهود التي تبذلها البحرين للتحول إلى مركز تجاري إقليمي وسعيها الدؤوب لضخ دماء جديدة في شرايين قطاعاتها الاقتصادية، فإن حجم التبادل التجاري بين البلدين زاد من نحو 529 مليون جنيه إسترليني إلى نحو 884 مليون جنيه استرليني عام 2012م، وتعد بريطانيا الشريك التجاري الثالث للبحرين.

كما أن هناك جهودا كبيرة تبذل لرفع مستوى التعاون الاقتصادي بين البلدين، وذلك في ضوء وجود ما يقرب من 180 وكالة تجارية بريطانية مسجلة في سجلات البحرين، وغيرها من الوكالات السياحية والاستثمارية، ووجود أكثر من 2000 طالب بحريني يتلقون تعليمهم في بريطانيا، ووجود نحو 7 آلاف بريطاني يعملون في البحرين ما يجعلهم أكبر جالية أوروبية مغتربة، وإصدار نحو 12 ألف تأشيرة بريطانية لبحرينيين عام 2016م، وزيارات الوفود التجارية، واجتماعات لجنة التعاون المشتركة، وما تقدمه جمعية الصداقة البحرينية البريطانية في هذا الشأن.

وتبدو أهمية هذه الأرقام بالنظر إلى زيادة حجم التبادل التجاري بين دول التعاون الخليجي والمملكة المتحدة، والذي تضاعف من نحو 9 مليار دولار عام 2001م إلى نحو 30 مليار دولار عام 2015م، ويتوقع أن يزداد خلال السنوات القادمة في ضوء خطط النمو والتطوير الطموحة والرؤى المستقبلية لاقتصادات دول المنطقة، ومنها الرؤية الاقتصادية للبحرين 2030، وخطة العمل المشترك الخليجي البريطاني التي أقرها الجانبان للفترة من 2015 ~ 2018.

ولا يخفى هنا المكانة الاقتصادية والاستثمارية المتطورة التي تتمتع بها كل من مملكة البحرين والمملكة المتحدة، ومن ثم سعيهما لجعل العلاقات التجارية بينهما تقود قاطرة التعاون المشترك خلال الفترة المقبلة، خاصة مع الحرص المشترك على العمل من أجل هذا الهدف.

المعروف هنا أن لندن تعد عاصمة المال العالمية، وستشهد خلال الفترة المقبلة العديد من التطورات، كما تقدم المنامة بدورها نموذجا للبيئة الاستثمارية ذات الحوافز المشجعة والضمانات والتسهيلات التي يسعى إليها المستثمرون ورجال الأعمال من أجل الاستفادة من مقومات الاستثمار بها.

ومن خلال الأدوار التي تقوم بها حكومتا وغرفتا التجارة في البلدين لتوثيق الروابط الاقتصادية بين قطاعات الأعمال وتبادل الوفود والمعلومات والبيانات التجارية وإقامة الفعاليات وتنمية وتنشيط الاستثمارات، يمكن القول أن التعاون البحريني البريطاني على هذا الصعيد مرشح للتنامي، وهو ما سيعود على البلدين وشعبيهما بمزيد من الرخاء والتقدم.