لدى مطالعتي صحفنا ومجلاتنا الشهرية، خصوصا ذات الطابع الاستعراضي والإعلامي صادفتني الكثير من العبارات والتحقيقات التي تتناول الاحتفاء بأول شخص، أول امرأة، أول رجل وأول شاب وأول طفل وأول قاضية وأول سياسية وأول قيادة شابة، مع كم هائل من التضخيم والتعظيم قبل أن تمضي سنوات لنرى ونلمس النتائج، هذه الآفة الطارئة بعالمنا العربي بنفخنا وتضخيمنا للأمور لا تتماشى مع المنطق الذي يقول لا للتمييز بين الرجل والمرأة وبين الشاب والناضج والمخضرم، فالعبرة بالنتائج وقبل أن نحتفي بأول شاب يقود السفينة وأول امرأة تمسك الدفة وأول رياضي وأول طبيب وأول قاض أو قاضية، كل هذه “الأول” لا معنى لها ما لم تكن الكفاءة والخبرة والحكمة دليل العمل، فالرئيس ترامب تجاوز السبعين ويقود أميركا بصرف النظر عن الاختلاف معه أفضل من كل الشباب الذين أضاعوا هيبتها بالمقارنة مع ترودو رئيس وزراء كندا الشاب الذي دمر علاقات بلاده، وأحرج كندا بالكثير من المواقف وثبت أنه يفتقد الخبرة.
إذا لا يجب أن نضخم الأمور ونهرول بالاحتفاء الإعلامي الاستهلاكي قبل أن نحصد النتائج التي تدل على تلك التعيينات والمراكز والمناصب وغيرها من المسؤوليات التي يفترض أن نحكم عليها بالكفاءة والأداء مع الحكمة والحنكة لا بالشكل ولا بالعمر ولا بهذا أول شاب وهذه أول امرأة وهذا أول رياضي وذاك أول سياسي، فهذه “الأول” لا معنى لها بقاموس الدول المتقدمة والصناعية الكبرى التي يقودها نساء ورجال بعضهم تخطوا العقد الثامن وبلغوا بدولهم القمم.
مشكلتنا نحن العرب والخليجيون خصوصا، انبهارنا بالإعلام وخصوصا صحف ومجلات الترويج للشخصيات وتلميع الأشخاص وصنع الأبطال قبل أن يولدوا وهذه كارثة تحل بالأمم التي لا تميز بين الرصانة والجهالة، أتمنى أن نعيد النظر بمخرجات إعلامنا الترويجي وطريقة تسويق الأمور بتفخيم وتعظيم ونفخ قبل رؤية النتائج، وكأن المطلوب إقناع الرأي العام بنجاح هذه الشخصية أو تلك قبل أن تبدأ أول يوم عمل بل هناك من يروج للشخصيات قبل أن يتم اختيارها أو تعيينها وهذه مسؤولية سوف تنعكس سلباً بالعقود القادمة عندما نجني ثمرة هذا القفز بالهواء لمجرد الاحتفاء.
العالم اليوم تركيزه بالنتائج قبل المظاهر، فالصين التي اعتبرها البعض دولة مغلقة وصعبة ويحكمها الشيوخ، اليوم تغرق العالم بمنتجاتها وتدين لها الدول الكبرى بالديون وفي مقدمتها أميركا.

تنويرة: تصالح مع أفكارك، سترى صورة العالم مختلفة.