العدد 3786
الإثنين 25 فبراير 2019
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
البرلمان بر وأمان وليس سوبرمان يا سادة!
الإثنين 25 فبراير 2019

هناك نار مزايدات تشتعل تحت حطب البرلمان البحريني لا تتناسب مع طموح الشارع. لعلّ الذي أضعف مجلس الأمة الكويتي قبل سنين هو توزيع صناديق الاستعراض المليء بالعضلات المتخمة بثياب عنترة بن شداد.منصة البرلمان لا تحتاج لا إلى رقصات باليه على أطراف الأصابع، ولا إلى القفز الطرزاني على أغصان أو أضلاع المواطن البحريني؛ لأن العبرة بمدى تضخم أرقام إنجازات كل نائب في نهاية كل موسم نيابي لا بحجم أكياس الصراخ المثقوبة التي تتسرّب منها الأصوات المبحوحة.

هَمُّ النائب يجب أن يكون متوحّمًا على مدى إنجاح الملفات الوطنية، وإيصالها إلى موانئ وشواطئ النجاح لا في حناجر مبحوحة. في قراءة أولية لأداء المجلس تختلط فيه المسافات، ومدى حجم الخبرة والنضج البرلماني كي لا يتحوّل إلى منصة “فاشنيستا” ثياب الريش “والدانتيل” الاستعراضي الذي كان يجمل بها المصمم العالمي الألماني كارل لاغرفيلد أزياءه. لسنا مسؤولين عن جر الانتصار لأحد في سوريا بثقافة قبلات السفارات، ولا إلى تحويل البرلمان إلى خلاف شخصي لمن فاز بالرئاسة أو خسر، أو اصطناع أزمة مع وضد هيئة المكتب. كل ذلك عبارة عن بالونات سوداء، وصابون فقاعي لا يمكنه غسل أي ملف فساد متراكم تحت سجادة الفساد الذي كشفت عنه تقارير ديوان الرقابة المالية. فوعي الناس مهم لوقف التصفيق لظاهرة الصراخ كما يقول جان جاك روسو “رصيد الديمقراطية الحقيقي ليس في صناديق الانتخابات فحسب، بل في وعي الناس”.

السؤال المهم بعيدًا عما سمي في “السوشل ميديا” ظاهرة صراخ الديكة: ماذا سيقدم المجلس لملف التقاعد والمزايا التقاعدية، أو أجنبة الوظائف، وعن ملف العاطلين الملتحفين بشهادات أكاديمية ينتظرون الفرج، وعن طاعون الضرائب الذي انتشر في جسد المحفظة البحرينية، وأصاب جيوب المواطنين بالهزال أو كأنها الإنفلونزا الإسبانية التي انتشرت بأوروبا العام 1918، أو كما تفعل وزارة التجارة والسياحة، وهيئة الكهرباء التي أصبحت تجيد توزيع إخطارات الإنذار بقطع التيار الكهربي على كل مواطن حتى أصاب المواطن بما يصطلح عليه علم النفس بأخطر أنواع الفوبيا “كاونترفوبيا”، ونحن البحرينيين، أصبحنا مصابين بما سميته “بكهربا فوبيا”، وكأننا نشاهد فيلم البجعة السوداء المخيف للمخرج دارين أرنوفسكي، أو كما فلسف نجيب محفوظ ظاهرة الجوع في روايته الرائعة، ملحمة الحرافيش، أو نسجته أصابع الكاتب الروسي ديستيوفيسكي، أو ما كتبه فيكتور هيجو في البؤساء عن البطل “جان فالجان” الذي قضى في السجن ما يقرب من 20 عامًا بسبب سرقته رغيف خبز، وظل مطاردًا على كسرة خبز، أو “الخبز الحافي” لمحمد شكري الذي يحكي عن سيرة الجوع التي عاشها في طنجة فقيرًا مُعدمًا، وظهر ذلك في وصفه للحالة الاقتصادية المعدمة للمدينة، روايات الجوع تعكس ملف الصيادين البحرينيين الهائمين على وجوههم بحثًا عن رزق يغطي ولو فواتير الكهرباء، أو ملف شهادات الصين التي أصبحت أحزانهم متشابهة كعيون الصينيين.

فالديمقراطية يجب أن تنتصر للفقير بالإنجازات لا بالصراخ كما يصفها أرسطو قائلًا “تتجسّد الديمقراطية في الانتصار للفقير، وليس أصحاب المال”، علمًا أن حتى أصحاب المال، خصوصًا البحرينيين، يعانون من التضييق الزمني لتقسيط مستحقات الفواتير الكهربائية في حشر مرعب في زاوية ضيقة مما يؤثر على مشاريعهم الاستثمارية.

لله درك يا نجيب محفوظ في رواية ملحمة الحرافيش عندما تساءل ضمير بطل الرواية قائلًا “ترى كم من الأسر التي يشقى بها أمثال إبراهيم حنفي يمكن أن تسعدها النقود التي أخسرها كل ليلة في النادي؟” وهنا لا نريد مقامرة عواطف في نادي الأحزان.

يقول جورج برنادشو “أسوأ ما في الديمقراطية أنها تضطرك إلى سماع الأحمق”. نوابنا أذكياء، لكنهم بحاجة إلى إعادة جدولة الأهميات، وإعادة ترتيب الأحزان التي أصبحت تقاس بالأمتار على حد تعبير نزار قباني.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية