العدد 3795
الأربعاء 06 مارس 2019
banner
ريشة في الهواء أحمد جمعة
أحمد جمعة
مازال التفكير داخل الصندوق
الأربعاء 06 مارس 2019

تقدم الدول ليس معناه تقدم المجتمعات، فهناك فرق شاسع بين معنى الدولة والمجتمع، ولا أريد أن أسهب بهذه النقطة لضيق المساحة غير أنه من الممكن أن تكون الدولة ناجحة ومتقدمة بالصعيد المالي والإداري والبنية التحتية، لكن وراء الحاجز وخلف الأسوار يكمن المجتمع المتخلف والمتأخر عن اللحاق بالنهضة التنويرية التي شهدها العالم منذ القرنين التاسع عشر والعشرين، فلا يكفي أن تحقق الدولة تفوقاً بالطفرة المتعلقة بالبنية التحتية نتيجة عوامل كثيرة منها الطفرة النفطية كمثال، لكن يبقى المجتمع أساس النهضة الحديثة المتمثلة بالتقدم الحضاري والنهوض الثقافي والفكري واتساع الوعي المجتمعي فيما يتعلق بالتحرر من القيود المتخلفة واتساع رقعة التفكير العلمي ونبذ الخرافة والتحلل من عوالم الشعوذة، هذا هو الفرق بين تقدم الدول وتخلف المجتمعات، وهنا يحضرني كتاب صدر قبل ثلاثة عقود بعنوان التطور الرث يعالج جزءا من هذه الأزمة.
بهذه الساعة من العصر الذي نعيشه، كثيراً ما نصادف دعوات للتقدم الاقتصادي وجهودا للنجاح المالي وطفرات بالعمل على بناء دولة يتجسد فيها التقدم المعماري والعقاري الذي تجد مساحات شاسعة مكتظة بغابات من البنايات وناطحات السحاب وغيرها من المشاريع العقارية كالجزر الاصطناعية والمدن النموذجية والمظاهر الحضارية كالدعوة لمساواة المرأة بالرجل وتولي المناصب العليا وتأسيس المنظمات الحقوقية ومنظمات رعاية الحيوان فيما لا يوجد من يرعى الإنسان، كل هذه الأمور قد تبدو علامة على نجاح الدول، لكن ما الفائدة إذا ما ظلت الأفكار والرؤى محصورة بالغابات والصحاري، وما الفائدة إذا ما ظل تفكير المجتمعات خاضعا للسحر والشعوذة بوجود كل التقدم الذي تحدثنا عنه، هذا يذكرنا بالدولة العثمانية التي كانت بوقت من الأوقات تحتل ربع مساحة العالم لكنها انهارت بساعاتٍ معدودة عندما حان أجلها وهي لا تعلم كم كانت منخورة من الداخل.
اليوم حياتنا العربية مرتبطة برؤى مقتصرة على البنية التحتية كمظهر للتقدم الحضاري والدليل على ذلك أنه عندما تحدث شيخ الأزهر أحمد الطيب عن تعدد الزوجات وقال إنه ليس الأصل ثارت بوجهه البراكين، هكذا سقطت ناطحات السحاب فهذا شيخ الأزهر لم تحتمله العقول المتجمدة عند البحر الميت فما بالك بمن يفكر خارج الصندوق من ذلك؟.
تنويرة:
لا يكفي وجود العقل، الأهم محتواه.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .