العدد 3795
الأربعاء 06 مارس 2019
banner
بين الإعلامين التقليدي والرقمي.. تكمن مسؤولية الحقيقة وحقيقة المسؤولية
الأربعاء 06 مارس 2019

لا أرى نفسي واحدًا من عشاق ما يطلق عليه الإعلام الجديد أو الرقمي، باعتبار أنني من صناعة الإعلام التقليدي الذي أؤمن بمكانته ودوره الوطني الفاعل على مر الأوقات والظروف، فأنا والحالة تلك، منحاز إلى “هواي الأول”، إلى الإعلام الذي له قدرة مهنية عالية على إحداث التأثير الإيجابي، متى ما توفرت له الأدوات والظروف والمستلزمات الاحترافية الشاملة.
  ولكن، ما تقدّم لا يعني أبدًا أنني ضد التطور الذي طرأ على صناعة الإعلام في العالم كله، وعليه، لا أستطيع تجاهل وسائل الإعلام الجديد، وتقنياته المتسارعة التقدم، التي أوجدها المخترعون لتوفير الوقت والجهد، وجعل الحياة أكثر مرونة وسهولة، فكانت الشبكة العنكبوتية وما زالت تتحفنا لحظيًّا باعتبارها وسيلة اتصال فاعلة عابرة للقارات، تقدم المعلومة والفائدة والصورة والفيديو والأخبار والأفلام  للمتلقين بمجرد “كبسة زر”، واضعة بين أيدينا العالم بأسره، ما سهّل من انسيابية المعلومات ووفرتها وتدفقها بشكل منقطع النظير، الأمر الذي يضاعف من مسؤولياتنا للتحقق من صدقية المعلومات والأخبار، قبل أخذها على عاتقنا للبث والنشر، مع مراعاة المهنية والدقة والشمولية والمصداقية والحقيقة، إضافة إلى المسؤولية الوطنية التي تأتي على رأس كل ما تقدم.
  واليوم يشهد العالم استخدامًا واسعًا لشبكات الإنترنت، ليس فقط حكرًا على الحواسيب، بل وصل إلينا عبر قطعة معدنية ذكية صغيرة، قصّرت المسافات، وعززت الاتصال والتواصل، ألا وهي الهواتف الذكية التي اجتاحت عالمنا، مقدمة بين فترة وأخرى نماذج جديدة ومتطورة بمزايا عالية الدقة، تساير العصر والتطور، مما جعل المتلقي يتناقل المحتوى الاخباري المرفق بالصور والفيديو حال حدوثه.
  وعلى الرغم من أهمية هذا التسارع في تطور وسائل الإعلام وحيثيات التواصل، إلا أن هنالك سيلاً جارفًا من الإشاعات المغرضة والمغلوطة والمشوهة والفاقدة للحقيقة والمصداقية، تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون أدنى مسؤولية، مسببة البلبلة، والإساءة إلى سمعة الأفراد والأوطان، من قبل أصحاب الأجندات الخاصة، وهنا بيت القصيد..
  إذ تقع المسؤولية الوطنية على كل منا، بإعلاء شأن الوعي العام بقضايا المملكة، وبتعزيز القدرة على تمييز الغث من السمين، وعدم السماح بمرور معلومات مغلوطة، قد تخدم فئة أو جهة معينة لا تريد الخير للوطن والمواطن، بل وتسعى إلى النيل من الوحدة الوطنية والتعايش بين أبناء الوطن الواحد الموحد، وبناء عليه، لنحّول معًا هذا الإعلام إلى درع حصين، لنمارس من خلاله دورًا وطنيًّا برقابة ذاتية، تعمم الخبر الصادق، وتلغي الخبر المضلل تلقائيًّا، ليسقط ليس سهوًا من حسابات المتلقين، بل عمدًا ذهنيًّا يفرق بن منطقية الصدق، وعبثية الخبر الكاذب، الأمر الذي يحول الإعلام الجديد إلى رافعة من روافع التقدم والنهضة، بما يخدم المسيرة التنموية الشاملة، التي رسخها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، مكللة بميثاق العمل الوطني، كوثيقة حاضنة لمبادئ وأفكار وتطلعات رائدة، بنهج متطور، لإعلاء مسيرة البناء والتقدم النوعي، وتعزيز دور دولة القانون والمؤسسات، بما يتوافق وتطلعات المواطنين، نحو غد سيزهر زرعًا أبديًّا جذوره راسخة طالما كان التكوين.  
  بين أيدينا إذن، كنوز متطورة لا تقدر بثمن، تتلخص في إعلام رقمي ووسائل اتصال وتواصل حديثة تعج بمعلومات لا تنضب، وعلينا الاستثمار الذكي والأمثل لتلك الكنوز لتعود علينا بفائدة مجزية، كرصيد وطني استراتيجي يعزّز رواية مملكة البحرين الشاملة المستندة إلى إرث حضاري عريق، نفخر بالبناء عليه، وبالحفاظ على تفاصيله، ليشرق حاضرًا يشبه حبنا الصادق لوطن أعطانا الكثير، وواجبنا أن نرد له، ولو النزر اليسير من كرمه اللامحدود.
سامي هجرس

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية