+A
A-

ما الذي يحدث في أسواق المال.. تصحيح أم بداية أزمة؟

بعد سنوات من رحلة الصعود في أعقاب الأزمة المالية العالمية، ابتعدت خلالها "وول ستريت" كثيراً عن دائرة التنبؤات، باتت مؤشرات الأسهم الأميركية التي أدت أداءً متميزاً حتى وقت قريب، تجد صعوبة في مغادرة النطاق الأحمر، حيث من المحتمل أن يشكل مسار التصحيح هذا أسوأ ديسمبر يمر على الأسواق الأميركية والعالمية في علاقة اطرادية قديمة العهد، منذ الكساد الكبير عام 1931.

تشير مقاييس السوق المتعددة إلى أن التباطؤ الاقتصادي يلوح في الأفق، وقد بدأ العديد من خبراء السوق والمراقبين بالضغط فعلا على زر الإنذار.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي لا طالما تملكته الغبطة لربط نجاحه الاقتصادي بأداء أسواق الأسهم، بات الآن يتملكه الهدوء في أمر الأسهم، باستثناء محاولاته أملاً في إقناع الفيدرالي لكبح جماح الفائدة.

ما الذي يحصل إذن؟

لا يوجد مذنب واحد قد توجه الأصابع صوبه في ما يحدث للأسواق، فعادة ما يتحول المستثمرون فجأة من حالة خوف إلى تفاؤل أو العكس.. ما يحدث الآن هو التقاء لعوامل عدة جلبت القلق إلى أروقة وول ستريت، وقد بدأ الأمر يبدو وكأن فترة التحضير لأزمة جديدة قد انتهت، وشرعت الأسواق المالية جميعها في بث رسائل قاتمة.

في الواقع، لقد استمر التوسع الاقتصادي في أسواق الأسهم أطول مما يجب، ما دفع المستثمرين للتساؤل مرات عدة متى ينفد حسن الطالع؟

وطوال عام 2018، استمر البحث الحثيث عن هذا الأمر الذي من شأنه أن يضع نهاية لهذه الدورة التصاعدية.. لكن السوق ظلت قادرة على التجاهل وسط أداء جيد للاقتصاد الأميركي وتحسن في مجمل الأرقام الاقتصادية التي أصبحت حالياً ضمن حسابات الماضي، فالآن بدأت مجموعة من الأحداث الداخلية والعالمية في إقناع "وول ستريت" أخيراً بأن الوقت قد حان.

في البداية شكلت حرب التجارة مع الصين كومة مخاوف في الأسواق الأميركية، انطلاقاً من تأثيرها على المزارعين الأميركيين.. وصولاً إلى تسببها في قفزة في أسعار المستهلكين وآثارها الاقتصادية في كل من الصين والولايات المتحدة.

من ناحية أخرى، تباطأ النمو الاقتصادي في أوروبا ومن المتوقع أن تنتقل عدوى التباطؤ في العام المقبل إلى الصين أيضاً، ثاني اقتصاد في العالم. أما دراما Brexit ففصولها لم تنتهِ بعد، فيما إشارات الفيدرالي الأخيرة إلى مواصلة مسار رفع أسعار الفائدة ولو بوتيرة أقل، من المحتمل أن تثبط معنويات الأسواق أكثر.

وفي ظل ما يحدث أصبح هناك أيضاً إدراك بأن عجلة نمو الاقتصاد الأميركي ستدور بوتيرة أبطأ للسنوات المقبلة، وبأنه سيواجه بيئة عالمية أكثر تحفظاً في 2019، مع تقديرات بتراجع النمو من 3% المقدر لعام 2018، إلى نحو 2.4% في 2019، و1.6% سنوياً من 2020 حتى 2022.

الفيدرالي يعمق الأوجاع

بدأت تقلبات سوق الأسهم في أكتوبر المنصرم، الذي خسر فيه مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" قرابة التريليوني دولار.. حينها شرعت مشاعر الخوف لدى المتداولين في الظهور. ومنذ ذلك الحين، استمر الاضطراب.

وفي آخر إغلاق، سجلت الأسهم الأميركية هبوطاً حاداً أمس الأربعاء، عقب تلميحات الفيدرالي برفع أسعار الفائدة بوتيرة أبطأ في عام 2019، بعدما كان المستثمرون يأملون في سياسة نقدية أكثر ميلاً للتيسير.

وهبط "داو جونز الصناعي" قرابة 1.5% إلى 23323.66 نقطة، فيما انخفض " ستاندرد آند بورز 500" بنحو 1.4% إلى 2510.68 نقطة، وكان "ناسداك المجمع" أكبر الخاسرين بـ 2.08% نزولاً إلى 6643.11 نقطة، بحسب "رويترز".

بنك "غولدمان ساكس" حذر، في مذكرة إلى العملاء يوم الجمعة الماضي، من أن الوقت حان ليتخذ المستثمرون موقفاً دفاعياً، فيما خفض بنك "كريدي سويس" يوم الثلاثاء، توقعاته لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500" لعام 2019، مستشهداً بالتقلبات الأخيرة.

لكن في أسواق المال موجات التصحيح أمر اعتيادي، ما ينظر إليه فقط هو أن تكون سنوات الصعود أطول من فترة النزول نحو الهاوية.

وإذا استمر هذا الاتجاه الهبوطي، ستكون هذه هي المرة الأولى التي ينكوي فيها جيل الألفية من نار هبوط سوق الأسهم، بعد أن أصبح له نصيب من الكعكة.