العدد 3813
الأحد 24 مارس 2019
banner
العرب‭ ‬اليهود‭ ‬والهجرة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل
الأحد 24 مارس 2019

الهدف من هذه الوقفة، وتحت هذا العنوان، هو دعوة الأنظمة والمجتمعات العربية إلى إعادة النظر في مواقفها من الأقليات الدينية أو العرقية التي تعيش في كنفهم كمواطنين في أوطانهم، ومساواة هذه الأقليات مع غيرهم من المواطنين، وأن يكون لهم جميع حقوق المواطنة وعليهم كل واجباتها، وبذل جهود خاصة وربما استثنائية ومضاعفة من أجل استيعابهم وإدماجهم وترسيخ انتمائهم وحبهم وولائهم للوطن دون الحاجة إلى المساس بهويتهم وجذورهم الدينية أو العرقية أو المذهبية. وتجدر الإشارة بل الإشادة هنا بالجهود والمبادرات والخطوات الملموسة والمعبرة التي اتخذتها مملكة البحرين في هذا الاتجاه والتي من بينها تعيين أعضاء في السلطة التشريعية مواطنين ممن ينتمون إلى أديان وأعراق مختلفة مثل اليهود والنصارى والبهرة، كما تأتي على قمة ذلك مبادرة صاحب الجلالة الملك المفدى بتعيين سيدة بحرينية يهودية هي السيدة هدى عزرا نونو سفيرة لمملكة البحرين لدى الولايات المتحدة الأميركية، وسيدة بحرينية مسيحية هي السيدة ألس توماس سمعان سفيرة لمملكة البحرين لدى المملكة المتحدة.

وقد تطرقنا في الأسبوع الماضي إلى حالة التعايش والانسجام التي كانت سائدة بين اليهود البحرينيين وباقي مواطني البحرين من مختلف الأطياف والمكونات، وكيف أن ما اقترفه الإسرائيليون الصهاينة في فلسطين من جرائم بحق الشعب الفلسطيني أدى إلى إثارة عواطف ومشاعر البعض وأدى بالنتيجة إلى تعرض عدد من اليهود البحرينيين، في أواخر العام 1947م، إلى المضايقة والاعتداء والنهب، مما جعلهم يحسون بعدم الأمان، ودفع غالبيتهم العظمى إلى مغادرة وطنهم البحرين والتوجه إلى المملكة المتحدة ودول أخرى في أوروبا وآسيا وإلى الولايات المتحدة الأميركية إلا نفرا قليلا جدًا منهم اختاروا الهجرة إلى إسرائيل.

إن الحقائق والأرقام تكشف وتؤكد أن اليهود العرب أو اليهود القاطنين في العالم العربي كمواطنين لم يكونوا يؤمنون بفكرة “أرض الميعاد” كأداة سياسية، وما كانوا يرغبون أو كانوا متحمسين لترك أوطانهم والهجرة إلى فلسطين، على الرغم من مناشدة وضغوط وإغراءات المنظمات والوكالات الصهيونية لهم منذ إنعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل بسويسرا في العام 1897م ، إلا أن غالبيتهم العظمى اضطرت، بعد قيام دولة إسرائيل في العام 1948م، إلى المغادرة والتوجه إلى إسرائيل أو التغرب في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية وغيرها نتيجة لازدياد أساليب الترغيب والترهيب التي تعرضوا لها من قبل الوكالات والمنظمات الصهيونية وما عانوه من اختلال واضطراب في علاقاتهم بالمجتمعات التي كانوا يعيشون فيها على أثر اغتصاب فلسطين وتشريد شعبها، وكذلك ما واجهوه من منغصات ومضايقات واعتداءات في بلدانهم من قبل بعض الأنظمة وبعض قطاعات المجتمعات العربية التي دفعها الغضب والرغبة في الثأر والانتقام لمعاناة الفلسطينيين، رغم أن اليهود القاطنين في البلدان العربية لم تكن لهم يد ولا ذنب فيما كان يحصل في فلسطين، وأن ثمة فرقا ملموسا بين اليهودية كدين والصهيونية كعقيدة سياسية.

فقد استيقظ العرب على واقع مرير عندما أعلن عن تقسيم فلسطين في العام 1947 ثم أعلن عن قيام إسرائيل في العام 1948 كدولة مستقلة على الأراضي الفلسطينية، وتمكنها من إلحاق الهزيمة بالجيوش العربية، واستفزهم قيام اليهود الصهاينة بالتنكيل بالفلسطينيين وقتلهم واحتلال أرضهم واقتلاعهم منها وتهجيرهم، فتأثروا عميقًا بهول الصدمة وشعروا بالمهانة وخيبة الأمل واجتاحت أعماقهم أحاسيس الغضب والنقمة والسخط واليأس في آن واحد، التي دفعت نفرا قليلا منهم في بعض الدول العربية إلى التعبير عن سخطها ومساندتها للأشقاء في فلسطين بصب جام غضبها على اليهود القاطنين في بلدانهم، فأخذت وتيرة التوتر بين اليهود والمسلمين في الارتفاع في بعض الدول العربية وتعرضوا للإعتداء وتم التشكيك في ولائهم ووصفهم بالطابور الخامس لإسرائيل، فعلى سبيل المثال وبعد قيام إسرائيل حدثت في شهر سبتمبر 1948 سلسلة تفجيرات استهدفت المناطق اليهودية في القاهرة قتل فيها 70 يهوديًا مصريًا وجرح ما يقارب 200 منهم، وقد اتهمت الحكومة المصرية وقتها جماعة الإخوان المسلمين بالوقوف وراء تلك الأحداث، وعلى أثر ذلك غادر مصر 27 ألف يهودي مصري استقر 10 آلاف منهم في فرنسا وتوجه الباقي إلى إسرائيل ودول أخرى.

في العراق كانت جذور اليهود العراقيين مغرقة في القدم، وكان عددهم يزيد على 150 ألف، وقد رفضوا بشدة الاستجابة لدعوات ونداءات الصهاينة بالهجرة إلى فلسطين قبل قيام إسرائيل، إلا عددا قليلا منهم، وعندما رفض حاخام العراق وقتئذ “خدوري ساسون” الانصياع لمطالب بن غوريون ودعاوى الصهاينة في العام 1950 بدأت أعمال الإرهاب ضد يهود العراق؛ ونظمت المخابرات الإسرائيلية خلايا سرية كلفتها بمهاجمة اليهود هناك، وإلقاء القنابل عليهم واغتيالهم؛ مما أدى إلى نشوء حالة من الذعر والخوف بين صفوفهم، حيث ظنوا أن العرب هم وراء أعمال العنف هذه، فاندفعوا تحت تأثير هذا الرعب ليهاجروا إلى إسرائيل، وبالفعل فقد غادر العراق 120 إلى 130 ألف منهم إلى إسرائيل  بين عامي 1950 و1952 عن طريق إيران وقبرص في عملية أطلق عليها “عملية عزرا ونحميا”.

وفي العام 1910 بعثت الوكالة اليهودية إلى اليمن مندوبًا صهيونيًا لحث اليهود اليمنيين للهجرة إلى فلسطين، لكنهم لم ينصاعوا أو يرضخوا للإغراءات التي عرضت عليهم رغم أوضاعهم الاقتصادية المتردية كباقي أطياف الشعب اليمني آنذاك ما عدا 150 يهوديا، إلا أنه بعد “مذبحة عدن” في نهاية العام 1947 والتي راح ضحيتها 82 قتيلًا و76 جريحًا يهوديًا وتدمير أربعة معابد، وبعد  قيام إسرائيل وبين عامي 1949 و1950 غادر اليمن حوالي مائه ألف يمني يهودي في عمليتين سميتا “البساط السحري” و”بساط الريح”

وقد كان عدد اليهود في المغرب 300 ألف لم يستجب منهم لدعوة الصهاينة إلا النزر اليسير، وبعد العام 1948 غادر المغرب منهم قرابة 200 ألف إلى إسرائيل وغيرها من الدول.

وتؤكد الإحصائيات أن عدد اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين بتشجيع ودعم من الوكالات الصهيونية قبل قيام إسرائيل في العام 1948 بلغ حوالي 550 ألف قدموا من شرق أوروبا وروسيا وألمانيا وأمريكا وغيرها من الدول، وأن نسبة اليهود العرب بينهم لا تصل إلى  5 %.

إن سبب عدم تحمس يهود الدول العربية للهجرة إلى إسرائيل في البداية يعود إلى أنهم لم يواجهوا ما واجههه غيرهم من اليهود في أوروبا من اضطهاد وإذلال وتهميش وما لاقوه في روسيا القيصرية من التوجه المعادي للسامية، إضافة إلى مخيمات الأشغال الشاقة التي أقامها النازيون في أوروبا ثم عمليات القتل والإبادة الجماعية في المحارق وغرف الغاز أو الهولوكوست على يد النازيين الألمان قبل وإبان الحرب العالمية الثانية، إن رؤية المسيحية لليهود في ذلك الوقت واعتبارهم قتلة المسيح سهلت على النازيين وغيرهم في أوروبا اضطهادهم وإبادتهم في المحارق، مثل هذه الرؤية لا وجود لها في المنظور الإسلامي وفي العالم العربي إذ أن المسيح، كما ورد في القرآن الكريم، لم يُصلب أصلًا ولم يُقتل ولكن شبه لهم.

فهل ساهمنا، نحن العرب، عن غير قصد أو سوء نية، في دعم جهود  الحركة الصهيونية وتسهيلها التي كانت تسعى مستميتة إلى استقطاب واجتثاث العرب اليهود من أوطانهم العربية وتهجيرهم إلى إسرائيل؟

ولمحاولة تلمس الإجابة عن ذلك فقد نظرنا إلى رواية رئيس الكنيست والوزير الإسرائيلي الأسبق، شلومو هليل، في كتابه “ريح شرقية”، الذي ذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت ديفيد بن غوريون، عندما تعثرت عملية نقل اليهود العراقيين إلى إسرائيل قال: “يجب إحضارهم فورا”. وكتب هيلل إنه “لم أكن بحاجة إلى إقناع بن غوريون”. وكان دافع بن غوريون أنه في حال عدم إحضار يهود من العراق، فإن العراقيين سيدركون لاحقا أنهم أخطأوا بالسماح بهجرة اليهود، الذين تبوأوا مناصب هامة كمثقفين ومهنيين، وأنه بهجرتهم إلى إسرائيل سيعززون الكيان الجديد وسيوقفون هجرة اليهود. لذلك قال بن غوريون، حسبما اقتبسه هيلل في كتابه، إنه “يجب إحضارهم قبل أن يكتشفوا خطأهم”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .