+A
A-

محمد عواد.. بارع في الحوارات وتياراتها الضيقة المختلفة

يمكنني القول ان الفنان الكبير محمد عواد " شافاه الله" قد ارسى قواعد المسرح البحريني الحديث ، وعلى يديه تم للمسرح التطور في المناظر وفي سائر الجهاز المسرحي، فهو فنان قديرشق طريقة بقوة واحس بأنه ينبغي عليه ان يخلق الدراما لكي يعبر عن نفسه بالصورة التي يحس بها ابعاد الحياة على نحو درامي.

محمد عواد شأنه شأن وليام شكسبير ، رجل مسرح بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، رائدا من رواد الفكر المسرحي في دول الخليج قاطبة، ومن هنا كانت المسرحيات التي قدمها خلال مشواره الفني الممتد منذ الاربعينات مثل " كرسي عتيق" "سبع ليالي"  " اذا ما طاعك الزمان" وغيرها تشكل خلفية كبيرة من خلفيات الفكر السياسي والاجتماعي تتحرك عليها كل الهموم ومحاور اهتمام الجماهير، ولعل هذا هو الذي منحها البقاء والحياة الطويلة واهتمام الفكر المسرحي الخليجي والعربي بها طوال هذه السنين.

في مهرجان اوال المسرحي السادس الذي اقيم في العام 2009 عرضت في حفل الافتتاح  مسرحية “الأشباح” وهي المسرحية الوحيدة التي ألفها  الاديب والكاتب الراحل محمد الماجد في سبعينيات القرن الماضي،وكانت من اخراج الفنان احمد الصايغ ومن بطولة الفنان الكبير محمد عواد بمشاركة خليل المطوع وبروين، وعن هذه المسرحية قال المخرج الصايغ..(لقد استطعت اقناع الفنان محمد عواد بالعودة الى المسرح عن طريق " نص وحيد يتيم" للكاتب والاديب محمد الماجد . فعواد لم يتردد ابدا في قبول النص عندما عرف كاتبه).

نص مسرحية " الأشباح " كما يقول الصايغ أستلمه من محمد الماجد عندما كان شابا في العام 1975 في ازقة المحرق وطلب منه احضار اطفال  يغنون معه – اي مع الصايغ- خلف المسرح كلمات " خط الجزوزح في السماء يدعي على أمه بالعمه)وكان يفترض أن تقدم المسرحية أنذاك ولكن شأت الظروف أن تتوقف المسرحية لأسباب إدارية بين مسرح الأتحاد الشعبي ووزارة الإعلام، ومنذ ذلك الوقت والصايغ محتفظ بالنص حتى العام 2008 عندما وجده في اوراقه القديمة مكتوبا بألة كاتبة قديمة، والمسرحية تتحدث عن واقعنا الحالي، وكأن الماجد كان يحس ويشعر ماذا سيحصل في مجتمعنا اليوم من تغيرات.

كان نص مسرحية " الاشباح" كرسوم البحر او رسوم الغابة او الحقول، كان نصا صعبا للغاية لا سيما وان الكاتب الراحل محمد الماجد قد تشبع بالوجودية وكل الارواح والابطال التي يخلقها في قصصه تأخذ زمام المبادرة بالمعرفة ، وكما يقول

المخرج الروسي العظيم " مايرهولد" والرائد المجهول الى حد كبير لكثير مما يدعي اليوم بالمسرح العصري" هناك نصوص تخرج من الرأس والخيال وتحبس لسنوات طويلة ليقوم بها ممثل واحد فقط.." وهذا ما انطبق على الفنان القدير محمد عواد ، حيث وجد فيه المخرج احمد الصايغ التركيبة الصحيحة للدور والمرآة التي ستعكس ضياعنا او غربتنا في المجتمع المعاصر. في ذلك العرض اوصل لنا عواد ما كان يريده محمد الماجد من عقاقير حديثة وترياقا لتجديد الحياة ، اوصل المعلومة الصعبة للمشاهد بطريقته الخاصة واثرى الخشبة في تلك الليلة بلغة التعبير المسرحي ووسعها بالمفردات ، فهو صاحب الحول والطول في هذا الجمال.

لا يوجد حتى الان سوى عبقرية واحدة في المسرح البحريني وهو محمد عواد الذي قال عنه محمد حميد السلمان " فنان لكل العصور"..فهو عندما يصعد على خشبة المسرح يشاهد الجمهور المسرحية كما لو كانت وقائعها حقيقية، فعواد بارع في الحوارات وتياراتها الضيقة المختلفة ،ومستوى السرد وطبيعته التمهيدية للاحداث عنده اكثر من مذهلة، فبإمكانه وحده تجسيد الكثير من الشخصيات والعيش في اماكن عديدة وازمنة متباعدة تقرب الحدث وتجعله ذو طبيعة ملحمية. عواد في كل مسرحية هو شخصية البطل المحوري محرك الصراع للجوانب الاجتماعية والجسمية والنفسية، وتمركز الاحداث حولها .

اما لو تحدثنا عن الاعمال الدرامية التي شارك بها ولعل أشهرها المسلسل الخالد " سوالف أم هلال" وغيرها من المسلسلات، سنتوقف طويلا امام مقدرته في التفكير والتعبير ولغته الخاصة لهذا العمل الفني ، فشخصية " مرزوق" حققت المعادلة الفنية الضرورية حيث كان يمتلك ادواته الفنية امتلاكا مقتدرا ، الامر الذي هيأ له لغته الدرامية الخاصة المتميزة موضوعا وشكلا .