العدد 3824
الخميس 04 أبريل 2019
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
المجد والاكتئاب "4"
الخميس 04 أبريل 2019

أبحرت بأشرعتي في بحر الفلاسفة والفنانين وأباطرة الفكر؛ بحثا عن الصندوق الأسود بعد سقوط طائرة سعادتهم في محيط الاكتئاب، وموج القلق، وجنون الإعصار في عمليات تنقيب معرفية؛ لمعرفة أسرار النفس البشرية، وفلسفة الوجود، وكنه وجود الإنسان، وحقيقة ما بهم، وهم العباقرة بين  تأرجح الحياة كمثال لفيلسوف التشاؤم شوبنهاور بين المتعة والألم أو تقديس اللذة للفيلسوف أبيقور على أمل بالخلود الأبدي على طريقة الفراعنة، خصوصا لعظماء، عبقريتهم ممهورة ومختومة بلمسة الرب، متسائلا بحفر الفيلسوف فوكو، وبتشكيك ديكارت، ووجودية سارتر، ما الذي ينقص صاحب المجد أن أمتلك بريق المال، وإكسير المنصب، وكثافة ضوء مصابيح الشهرة ودنيا الحب أيضا؟ ولماذا عجزوا عن  تحويل قطع جواهر امتيازات الحياة إلى قلادة سعادة لا مشنقة وجود؟ وهل الحب اللعنة الأخرى لتعاسة بين دونجوانية سارتر الوسواسيّة، أو الغياب الأسطوري للرغبة عند كانط، أو الفشل الممزق للروح والمتكرر لنيتشة مع الحسناوات؟!! ومع كل عتبة مجد صيدلية، ومع كل دفقة شهرة عقاقير. فمن منا لا يعرف كاتب الرعب الشهير إدغار آلان بو الذي كان مولعا بتصوير الشخصيات المضطربة في كتاباته ومهووسا بعلم النفس، والسؤال: ما الذي قاده للجنون هو أيضا هل هو نسيان ((كوكتيل الحياة))، والذي أعني بها التمتع بكل أنواع الجمال المنثور بيد الله على الكرة الأرضية جمال روح، ونضارة محيا، ورقصة طبيعة، ومذاق زاد، وتوأم روح، وسياحة عمر، وزينة مال وبنون... إلخ. أقول ما الذي جعل الكاتب ادغار ترك النفس تلهو في هوس قاتل بالكتابة في الرعب؟ هل هو إسرافه في التعلق بالخمر أم هو موت حبيبته التي مات هو الآخر بعد وفاتها بسنتين؟ فهل الحب يقتل أم ينهي أحزانا، ونزار قباني يقول: الحب كان مخدرا جربته لم ينه أحزاني ولا أزماتي.!! ما الذي جعل الكاتب الأمريكي الشهير هيمنغواي نسيان المجد والمال والشهرة والأضواء والانتحار ببندقيته؟ هل هي جينة انتحارية تنتقل في العائلة المكتئبة، حيث والده وأخوه وأخته، ماتوا جميعا مُنتحرين في خبث جينات متسللة؟ ولماذا ترك الاكتئاب يفترسه، ولم يبحث عن الحل في ((كوكتيل الحياة)) مع البحث، ولو عن طبيب معالج؟ ولماذا جائزة نوبل لم تشبع نرجسته المتقرحة؟ لابد أن هناك أسبابا في عدم سعادة العظماء، وصانعي التاريخ، وكان عليهم البحث عنها، والحصول على كوكتيل الحياة، وإنقاد أنفسهم، وعدم الاستسلام، والبحث عن رئات تنفس في هذا الكون الجميل الذي صاغته يد الإله كلوحة فنية زيتية، فهم أولى بالسعادة ومتع الحياة، فشخصية عظيمة مثل بيتهوفن لا ينبغي أن تستسلم لفكرة الهروب من ألم الواقع باحتساء كؤوس من الخمرة السامة، في تحايل وقتي قد يخرج المدمن من جحيم الزمن إلى حيث بطن مقبرة الوجود. والسؤال: هل هي قسوة الأب الذي كان يضربه، فأفقده حاسة السمع فى مراحل متقدمة من حياته، ففقد طعم الحياة؟ أم هي العبقرية التي لا يشعلها إلا الجنون، أم الطعنات العاطفية لخناجر فتيات طبقة النبلاء فراح بجلد ذاته، وفات بيتهوفن أننا لا نختار من نحب، وأن علاقتنا بالحب عبارة عن تقيح زمني غير معلن يقع مصادفة أم ترى هي خلطة كيميائية لكيمياء الحب، انسجمت لتنتج علاقة بين قلب وادع، وخنجر بشري يسمى حبيبا؟!. نعم كما أننا لا نختار الأم  لا نختار الحبيبة. ومسكين ذلك الذي يقوده القدر لحب، ورده وأزهاره لا تنبت إلا على جدار مقبرة أو شرفة أطلال أو فوق ضريح مهشم مهمل كان يسمى قلبا.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية