من المهام التي تمثل تحدياً حقيقياً لقائد الفريق البحث عن السبل الناجحة في تطوير شخصية الأفراد وتنمية الثقة بأنفسهم، والكشف عن ما يسميه علماء الإدارة “الجواهر البشرية” في بيئة العمل. تزدحمُ بيئات العمل بالطاقات المختلفة والمتنوعة، منها ما يصعب تطويره وتدريبه وذلك راجع لأسباب شخصية معقدة، ومنها ما يعتبر بمثابة وقود طاقة حقيقي للمؤسسة لما يمتلكهُ من طاقة هائلة، هنا يكمنُ دور القائد في الكشفِ عنهم لأنهم قد لا يحبذونَ البروز في سياق المؤسسة التقليدي.

تقولُ الحكاية: وقف رجل في إحدى محطات مترو في العاصمة واشنطن وبدأ يعزف الكمان؛ في صباحٍ بارد، وعزف ست قطع باخ لحوالي الساعة، وخلال ذلك الوقت، مر ألفُ شخصٍ من المحطة، معظمهم في طريقهم إلى العمل. مرت ثلاث دقائق، لاحظ رجل في منتصف العمر أن هناك ثمة من يعزف، تباطأ في سيره، وتوقف لبضع ثوان، ومن ثم هرع للحاق بالوقت، دقيقة بعدها، تلقی عازف الكمان الدولار الأول امرأة ألقت له المال بدون أن تتوقف مواصلة السير. شخصٌ هناك استند للجدار للاستماع إليه، لبضع دقائق، ثم نظر إلی ساعته وبدأ المشي مرة أخرى، ومن الواضح أنه كان قد تأخر عن العمل.

والذي دفع أكبر قدر من الاهتمام طفل عمره ثلاثُ سنوات، والدته كانت تحثه علی السير لكنه توقف لإلقاء نظرة على عازف الكمان، لكنهُ واصل المشي، مديرا رأسه طوال الوقت لعازف الكمان، وكرر هذا الأمر العديد من الأطفال الآخرين، جميع الآباء، دون استثناء، أجبروا أطفالهم على مواصلة السير، في الدقيقة الخمسين من العزف، لم يتوقف إلا ستةُ أشخاصٍ،قدمَ البعض المال، ثم واصلوا السير بوتيرة طبيعية.

عندما أنهى العزف ساد الصمت، لم يلاحظ ذلك أحد، لم يصفق أحد، لا أحد كان يعلم أن عازف الكمان هذا هو جوشوا بيل، واحد من الموسيقيين الموهوبين في العالم وأنه عزف مجموعة من القطع الموسيقية الأكثر تعقيداً، يعزف علی كمان قيمته 3.5 ملايين دولار، قبل يومين من عزفه في مترو الأنفاق، بيعت بطاقة الدخول لحفلته في أحد مسارح بوسطن بمتوسط مئة دولار.

خلاصة القول، إن “الجواهر البشرية” متواجدة في العديد من بيئات العمل وعلينا الكشف عنها وإبرازها... يبدع بعض القادة في هذا الأمر فتراهم يتقنون التواصل المحترف مع المبدعين في فريقهم ويوكلون لهم المهام والأعمال، فشكرا من القلب لمثل هؤلاء القادة.