+A
A-

نظام الأسد يجنّد خطباء المساجد لحل أزمة البنزين!

تفاقمت أزمة فقدان مادة البنزين، في سوريا، وأصبحت الشغل الشاعل للناس في ذلك البلد الذي يئن من ويلات الحرب التي شنها النظام السوري منذ عام 2011، على جميع أشكال المعارضين لنظامه والمطالبين بإسقاطه.

وعمّمت وزارة أوقاف الأسد، على جميع خطباء المساجد وجميع المدرسين الدينيين في الثانويات والمعاهد الشرعية، الأحد، في تعميم يحمل الرقم (39)، حثّ أنصار النظام على عدم التزاحم في محطات الوقود، وكذلك حث الناس على عدم تعبئة الوقود "لغير حاجة!"، كما طالب التعميم، التزام الناس بالدّور (الطابور).

وطالب التعميم الموقّع من وزير أوقاف النظام السوري، محمد عبد الستار السيد، بجعل خطبة يوم الجمعة القادم، حول هذا الموضوع، شاملاً ما سمّاها "قضية ترشيد الاستهلاك" التي قال إنه قد تمت الدعوة إلى تطبيقها في المساجد بدءاً من الثاني من الشهر الجاري.

مساجد على الطاقة الشمسية

وعلِم في هذا السياق، أن نظام الأسد يتجه لجعل الطاقة الكهربائية في المساجد، مولدة من الطاقة الشمسية، أو الطاقة البديلة، بدعوى (ترشيد الاستهلاك) كما قال بيان وزارة أوقاف النظام.

وعبّر سوريّو النظام، عن استيائهم من غياب مواد التدفئة، مع بداية الشتاء الحالي، وارتفعت الأصوات المنتقدة لعجز النظام عن توفير وقود منزلي، في الوقت الذي يقوم فيه حلفاؤه المحلّيون وبعض أفراد عائلته، كابن خاله رامي مخلوف رجل الأعمال المعاقب دوليا، بتأسيس مشاريع عقارية عملاقة، تكلّف مئات الملايين من الدولارات.

ونقلت الأنباء المتواترة، مع اقتراب نهاية فصل الشتاء، غياب مادة البنزين عن أغلب محطات الوقود في البلاد التي تشهد أزمة خانقة لذلك، وتكدساً مرورياً بسبب طوابير الانتظار، وصلت في بعض الأحيان إلى عدة كيلومترات، كما حصل في محافظة طرطوس، في اليومين الماضيين.

وقامت سلطات أمن النظام السوري، باعتقال محمد هرشو مالك موقع الكتروني مرخّص من وزارة إعلامه، فقط لأنه نشر خبراً عن نيّة حكومة النظام، رفع سعر البنزين، عبر تخفيض الدعم الحكومي، بشكل كبير.

واتّهمت حكومة النظام، هرشو وموقعه، بالعمل لصالح "مافيات" في الداخل السوري، دون أن تحدد هويتها. وقال موقع "هاشتاغ سوريا" في بيان حول اعتقال صاحب امتيازه، إنه اعتقل وتم إيداعه السجن، كما لو أنه ارتكب جرماً خطيراً.

المافيات شخصيات لصيقة بالأسد

"المافيات" التي اتّهم الصحافي، بالعمل لأجلها، فقط لأنه نشر خبراً عن نية حكومة الأسد رفع سعر البنزين، هي مجموعة من المستفيدين من النظام نفسه ويكدسون ثروات طائلة عبر امتيازات مقدمة لهم مقابل "مصالح متبادلة" حسب عارفين بالوضع السوري.

وتفجّرت فضيحة كبرى جديدة، طالت نظام الأسد، عندما كان الناشر الأصلي لخبر نية حكومته رفع سعر البنزين، هو صحيفة ابن خاله رجل الأعمال رامي مخلوف المعاقب أوروبيا وأميركيا بتهم تتعلق بالفساد ودعم الأسد في حربه المدمرة على شعبه.

وكانت صحيفة (الوطن) التابعة لابن خال الأسد، هي التي نشرت خبر نية نظامه رفع سعر البنزين، مما رفع سعر الأخير ودفع الناس لتخزينه والاتجار به، فغاب البنزين من السوق، واندلعت الأزمة الخانقة بسبب فقده وتكدست الطوابير في مختلف المناطق التي يسيطر عليها جيش النظام.

وسرت شائعة إطلاق سراح الصحافي، بعدما "أسقِط" في يد النظام السوري، عندما علم أنصاره أنه ليس هو صاحب خبر رفع سعر البنزين، بل ابن خاله المعاقب دوليا، على جرائم مختلفة، مثل التربّح غير المشروع على حساب قوت السوريين.

"اقتصاد الشائعات" هل يؤمن دخلاً إضافيا للنظام؟

وحسب معلومات موثقة، فإن آلية منح رخص محطات الوقود، في سوريا، هي ذات آلية التعيينات في المناصب الكبرى والصغرى في البلاد، وهي شدة الولاء للنظام، في المقام الأول، وتوزيع "غنائم" الترخيص بين صاحب المحطة، وشخصيات نافذة وعلى صلة بأقرباء لرئيس النظام نفسه.

ولآل الأسد محطات وقود خاصة باسمهم كحيدرة الأسد أحد أبناء عمومة بشار الأسد، في القرداحة واللاذقية، كما يتم منح رخص محطات وقود، لأبناء العائلات المعروفة والتي يجب أن تكون "قريبة" من آل الأسد، كي تفوز بالترخيص، حسب معلومات موثقة لـ"العربية.نت" من مصادر أهلية في محافظة اللاذقية.

وعادة ما يلجأ نظام الأسد، لخطباء المساجد في كل أزمة تحيق به، إلا أنها المرة الأولى التي يلجأ بها إلى خطباء المساجد، من أجل إسكات أصوات أنصاره المنتقدين، لفقدان مادة استهلاكية.

ولفت في تعميم وزارة أوقاف الأسد، إشارته إلى مصطلح "الإسراف" الديني واستنباط دعوى "ترشيد الاستهلاك" منه، في الوقت الذي يشتكي أنصاره من غياب الحد الأدنى لمادة البنزين.

وأصدرت حكومة النظام السوري، في هذا الصدد، قرارا تخفض فيه مخصصات وسائل النقل التابعة لها، من مادة البنزين، إلى النصف.
واعتبر مراقبون أن افتعال أزمة البنزين، في سوريا، تؤمن للنظام هدفين في الوقت نفسه، الهدف الأول تأمين سيولة مالية ضخمة بسبب فوارق السعر التي ستنتج عن رفع سعر البنزين، فيكون بمقدوره دفع مرتبات موظفيه وإنفاقه الحكومي، دون اللجوء لطباعة عملة بدون أي رصيد معترف به.

أما الهدف الثاني، بحسب المراقبين السالفين، فهو تأمين مصادر دخل فورية وضخمة بسبب فوارق السعر، لأنصاره المقرّبين "جدا" الذين يسيطرون على السوق الخاصة بالمحروقات بصفة عامة، والبنزين بصفة خاصة، بعد العقوبات الأميركية والأوروبية التي طالت أغلب الشخصيات المستفيدة من نظام الأسد، من رجال الأعمال.

وقال اقتصادي سوري لـ"العربية.نت" طلب عدم الكشف عن اسمه، إن نظام الأسد يلجأ الآن لـ"اقتصاد الشائعات" بحيث يخلق أزمة مادية أو مالية عبر الإعلام، ثم يقوم هو ومقرّبوه، بجني أرباح حلّها. حسب ما قاله الاقتصادي المذكور والذي سبق له العمل كمستشار في وزارة الاقتصاد السورية.