+A
A-

ندوة تناقش إرث عوشة السويدي الشعري ودوره في توثيق التاريخ

انعقدت ضمن فعاليات معرض أبوظبي الدولي للكتاب2019 جلسة حوارية استثنائية حول شخصية المعرض  المحورية لهذا العام الشاعرة عوشه السويدي، تحدثت فيها د. رفيعة غباش، مؤسس متحف المرأة في دبي، والتي قامت بجمع وتوثيق الديوان الكامل للشاعرة الراحلة وتوثيق سيرتها الذاتية، وشاركها الحوار الكاتب ناصر الظاهري.

وقد أعربت د.غباش عن سعادتها وسعادة أسرة عوشة باستذكار الجميع لهذه القامة بكل ما قدمته من أشعار لعبت دورا في إثراء الثقافة الإماراتية، والاحتفاء بديوانها المقروء والصوتي، وقالت: "رغم انتشار الديوان إلا أني أشعر أن المهمة لم تكتمل بعد، فقد وفقنا في متحف المرأة في وضع تصميم جميل لقاعة خاصة بالشاعرة، حيث شرحت للمهندس ما تخيلته أن عوشة أثناء خروجها من العين باتجاه دبي للقاء الشيخ محمد بن راشد وهي تكتب على أوراقها، وبالفعل أعطاني المهندس التصميم وقمنا بتطويره وتم تنفيذه، والآن أصبحت قاعتها بالمتحف مزارا يشعر المرء معه بعظمة هذه المرأة وعظمة أشعارها، يكفي أن الشيخ محمد بن راشد زارها مرتين، وهناك شغف عربي وأجنبي بأشعار عوشة، والأجانب مصرون الآن على ترجمة هذه الأشعار، أرفقنا بسيرتها الذاتية ببعض قصائدها مترجمة إلى الإنجليزية، ومؤخرا اتصل بي شاب وطلب حقوق نشر ديوان عوشة بطريقة برايل حتى يتمكن المكفوفين وضعاف البصر من قراءته، هذا الشاب هو عبد الله هلال بن ظاهر، وهو شاب من الشباب الإماراتي ومن ذوي الاحتياجات الخاصة كونه كفيف البصر لا البصيرة، حيث استطاع أن يصدر النسخة الإلكترونية للمكفوفين بمقدرته الهائلة وسعة علمه الغزير بالإلكترونيات، فالجميع يرجو تخليد هذه المرأة العظيمة. كما فكرنا أن تغنى بعض قصائدها وبالفعل غنت لها المطربة اللبنانية غادة شبير، ونتمنى أن تصل كلماتها إلى المستمع العربي.

ولفتت غباش إلى أن علاقة عوشة بأبيها كانت علاقة نموذجية من الحب والتقدير والاحترام المتبادل، كانت الشاعرة في الطفولة تأخذ الكثير من رسائل والدها تتأملها، واجتهدت بشكل ذاتي على نفسها إذ كانت تكتب على الجدران بواسطة الفحم القديم، وتنقل ما تحمله الرسائل من حروف متعلمة بذلك أبجديات اللغة. وأنها عندما اطلعت على أوراقه عند إخوانها وجدت قصائد لكبار الشعراء ومعهم قصائد لعوشة، الأمر الذي يؤكد العلاقة القوية التي ربطت الشاعرة بأبيها.

وقالت: "أثناء الإعداد لإصدار ديوان عوشة بذلنا مجهودات كبيرة لتوثيق كل قصيدة، وقد كانت أولى القصائد قصيدة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم بالفصحى، وقد وجدنا أربع قصائد أخرى لها بالفصحى، الأمر الذي يرد على أكاديمي نفى أن يكون لها قصائد بالفصحى، فلقد جمعنا 150 قصيدة من بينها 18 قصيدة لم تنشر من قبل، واحدة من هذه القصائد طويلة تمتد لأربع صفحات، حين قرأتها وجدت نفسي كأنني أمام فيلم وثائقي مصور، حيث لم تترك شيئا إلا صورته".

وأضافت: "لقد أغنت عوشة بقصائدها الفضاء الثقافي الإماراتي، وقصائدها فيها عمق وجمال وحميمية ودقة في الوصف خاصة في التعبير عن مشاعرها الإنسانية في مواجهة الذات الخاصة أو المحيط الوطني الذي تعيش فيه، وإذا بحثنا في التراث في هذه القصائد وجدناها لم تترك شيئا عايشته ولمسته إلا أتت به، لقد خصها الله بموهبة أصيلة مكنتها من التحكم في لغتها وأوزانها وموضوعاتها التي تطرحها".

وقالت د.غباش إنّه في اتصال وحيد بيني وبين عوشة عام 2006 من البحرين، روت لها أكثر من حلم منها حلم راودها في طفولتها، منها أن القمر نزل على وجهها وابتلعته حتى نزل من فمها وأنفها وشع نوره في داخلها، فأخبرت والدها بالحلم، الذي سأل بدوره أحد الشيوخ من منطقة ليوا، فأجاب الشيخ: سيهب الله عوشة علماً يضيء كما أضاء القمر. وعند زيارتها لمكة المكرمة في أواخر حياتها لأداء فريضة الحج، وبعد عودتها من الكعبة مؤدية صلاة الفجر، نامت عوشة السويدي ورأت في منامها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما وسلمت عليهما، ولما سألتها هذه بشرى فلما اعتزلت الشعر، فقالت اليوم الطمأنينة في القرآن وحب القرآن".

وختمت قائلة "قصتي مع عوشه لم تنته، أحب أن أذكرها وأن أسمعها كل يوم، أتمنى أن أستمر في العمل على شعرها لأني أحس أنها ثروة للإمارات يجب أن أستثمر فيها، ومتحمسة لمشروعي لترجمته لأني أخيراً تعرفت على شاعرات مترجمات من السعودية، وأتناقش مع أسرتها بهذا الشأن، وقد وضعنا شروطا لحفظ الحقوق، وأتمنى أن ننجز خطوات مهمة مع انعقاد معرض أبوظبي الدولي للكتاب القادم".

أما الكاتب والروائي ناصر الظاهري فأشار أنّ الكتاب عن عوشة يعد موسوعة جميلة، وقال مخاطباً الدكتورة غباش: "ربما بعد عام أو اثنين أو ثلاثة تعيدين تنقيحه لأنه حتما ستجدين في ظل عملك الدوؤب أشياء منشورة هنا أو هناك، وربما ستجدين ما يمثل إضافة".

وتابع: "تكمن عبقرية عوشة في كونها صقلت موهبتها بالدراسة والاطلاع، أيضا شكلت مسيرة حياتها التي شهدت الكثير من التنقلات إثراءً لتجربتها أبعادا وملامح متميزة، وعوشه كانت حاضرة في مجالس الشيخات وكما يقال "المجالس مدارس"، عوشه كانت كل هذا التكوين، بالاضافة إلى تمتعها بالقدرة على التأمل، والتأمل نعمة، وفي ديوانها يمكن قراءة أبعاد هذا التأمل في الفراغات الموجودة"

وفي موافقتها على ما أبداه الظاهري من آراء، قالت الدكتورة رفيعة غباش: "إنه عرف عنها أنها كانت تختلي بنفسها لفترات طويلة"، وأكدت أن مكتبة عوشه كانت متنوعة وثرية تضم أمهات الكتب قديمها وحديثها، وقالت: "ذكرت لي ابنتها أنها كانت تقرأ لهم كل ليلة قصة من قصص ألف ليلة وليلة. إن جيل عوشه الذي ولد عام 1920 و1930 عرف عنهم أنهم كانوا مقبلين على القراءة بشكل كبير ويحفظون الكثير مما يقرأون وخاصة من دواوين الشعر النبطي والفصحى"، وختمت غباش بقولها: "إنه وعلى الرغم من أن عوشه انقطعت عن المشهد الثقافي منذ عام 1994 إلا أنها خلال السنوات الأخيرة حضرت بقوة".