+A
A-

هذا ما تفعله فصائل تركيا بعفرين.. تتريك للشوارع والهوية

لا يزال الغموض يلف مصير بلدة تل رفعت السورية التي تقع بالقرب من مدينة حلب في الريف الشمالي، بالتزامن مع اشتباكات متقطّعة بين مقاتلين من "وحدات حماية الشعب" وفصائل سورية مسلّحة تدعمها أنقرة في المنطقة ذاتها.

ويعيش سكان البلدة وغالبيتهم من مهجّري عفرين الّذين اضطروا للنزوح إليها قسراً بعد العملية العسكرية التركية ضد وحدات حماية الشعب في عفرين أوائل العام 2018، حالة من الخوف والقلق.

وتشهد تل رفعت التي تتمتع بموقع استراتيجي لوقوعها في وسط الطريق الدولي الذي يربط مدينة غازي عنتاب التركية بحلب السورية، حالات خطف متكررة، الأمر الذي يزيد من مخاوف السكان.

ويتهم الأهالي مجموعاتٍ مدعومة من الجيش التركي في المنطقة بالوقوف وراء مثل هذه الحوادث، وفقاً لعدد منهم تواصلت "العربية.نت" معهم.

ضرب التعايش السلمي

وتتسبب حالات الخطف بوقوع قتلى وجرحى، نتيجة تحوّلها لشجار مسلح بين الخاطفين والمختطفين. وهو أمرٌ بات يتكرر بين الحين والآخر ببلدة تل رفعت، في وقتٍ تتعمد فيه الجهات التي تعمل على خطف المدنيين قتلهم، إذا لم يستجب الأهالي لمطالبهم وفي مقدّمتها دفع فديةٍ مالية.

ويتهم سكان البلدة الجيش التركي بضرب حالة التعايش السلمي بينهم، من خلال دعمه المستمر لمجموعاتٍ محسوبة عليه تعمل على خطف السكان وترويعهم، على حد تعبيرهم.

وإلى جانب ذلك، تحصل مناوشات عسكرية بين الوحدات الكردية ومقاتلين مقرّبين من النظام السوري في البلدة التي تقع نقاط المراقبة الروسية على مسافةٍ قريبة منها. وقُتل ما لا يقل عن 3 أشخاص في البلدة قبل يومين، اثنان منهما من سكانها المقرّبين من النظام، والثالث من "الوحدات الكردية"، على خلفية "تطاول" شابٍ مقرّب من النظام على صبية من أهالي عفرين تقيم في تل رفعت"، وفق ما أفادت عدّة مصادر مطلّعة من المنطقة، لـ "العربية.نت".

ولا تتوقف اتهامات السكان على الجيش التركي وحده، بل يتهمون أيضاً نقاط المراقبة الروسية المتواجدة في المنطقة بحماية مصالح أنقرة، سيما وأن الأخيرة تعمل على بناء جدارٍ عازل حول مدينة عفرين بارتفاعٍ يبلغ 3 أمتار وطولٍ يصل لنحو 70 كيلومتراً دون اعتراضٍ روسي، بهدف عزلها عن محطيها السوري.

فتح الطريق الدولي بين غازي عنتاب وحلب

وتسعى أنقرة إلى السيطرة على بلدة تل رفعت وإبعاد المقاتلين الأكراد منها بهدف إعادة فتح الطريق الدولي بين غازي عنتاب وحلب، الأمر الّذي لم تتمكن من تحقيقه إلى الآن. وتصنف أنقرة الوحدات الكردية جماعة "إرهابية" وامتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور لديها منذ إعلانه التمرد المسلّح ضدها قبل عقود.

عفرين تفقد هويتها السورية

ومع محاولات أنقرة الاقتراب من بلدة تل رفعت، يبدو أن مدينة عفرين تفقد هويتها السورية أيضاً بعدما عمل الجيش التركي والفصائل السورية المدعومة منه على منع تداول اللغة الكردية فيها ومنع سكانها من الاحتفال بعيدهم القومي الّذي يُعرف بعيد "النوروز"، بالإضافة لسرقة آثارها وتحطيم تماثيلها، ومن أبرزها تمثال "كاوا الحداد" الّذي يُعد رمزاً كُردياً.

ويعمل الجيش التركي برفقة فصائل المعارضة السورية على استبدال الهويات السورية لسكان عفرين بأخرى كُتب عليها باللغة التركية إلى جانب العربية، بالإضافة لتتريك أسماء قرى وشوارع عفرين وأحيائها، بحسب شهودٍ من المنطقة.

وقال متحدّث باسم الجيش "الوطني" المدعوم من أنقرة للعربية.نت إن "استخدام الهويات التركية يأتي لضبط المنطقة أمنياً وتنظيمها"، نافياً أن "يكون ذلك بهدف التتريك المتعمّد"، رغم أن معظم فصائل المعارضة السورية المسلّحة استبدلت أسماء ساحاتٍ في المدينة بأخرى تركية ومنها ساحة تحمل اسم الرئيس التركي الحالي، بالإضافة لإطلاق الأسماء ذاتها على دورات تدريبٍ عسكرية. وحملت إحدى هذه الدورات أخيراً، اسم "أشبال أرطغرل".

وتبدو الأعلام والرايات السورية مغيبة عن المدينة وكذلك الكردية، في وقتٍ تبرز فيه رايات تركيّة وأخرى تشبهها. وظهر مصطفى عبدالرحمن، رئيس الائتلاف السوري المعارض في عدّة صور وإلى جانبه علم ما أُطلق عليه "علم التركمان في سوريا".

ويقول رئيس الائتلاف الّذي ينحدر من الأقلية التركمانية في مقابلاتٍ تلفزيونية إن "عدد التركمان يصل لنحو 7 ملايين في سوريا وإننا جزءٌ من الأناضول"، على حدّ تعبيره.

وتحاول الفصائل المدعومة من تركيا في عفرين الضغط على الناشطين الحقوقيين الّذين ينحدرون من المدنية ويقيمون خارجها، من خلال تهديد ذويهم الّذين لم يغادروا عفرين بعد، بحسب مصادر محلية أشارت إلى أن هذه الفصائل تعمل على منع الناشطين من نقل ما يجري داخل عفرين لخارجها.

وفي غضون ذلك، لم يتمكن أكثر من نصف سكان عفرين الّذين اضطروا لمغادرتها من العودة لبيوتهم وفقاً للأمم المتحدة والمرصد السوري لحقوق الإنسان ومنظمات حقوقية دولية أبرزها "هيومن رايتس ووتش".

استفتاء لضم عفرين وجرابلس والباب إلى تركيا؟!

ويقول خبراء سياسيون إن أنقرة تحاول ضم عفرين وجرابلس والباب إلى أراضيها. وأشار صلاح ملكاوي، الباحث الأردني المختص في الشأن السوري إلى أن "الحكومة التركية ستعمل على استفتاء يخيّر السكان بين الانضمام إليها أو البقاء ضمن حدود الدولة السورية بعد سنوات، وغالباً ستكون هذه المدن والبلدات من نصيبها بعد تجنيس السكان وهو ما تعمل عليه تركيا بالفعل".

وأضاف ملكاوي في اتصالٍ هاتفي مع "العربية.نت" أن "الوضع الدولي والإقليمي الراهن غير ملائم بالنسبة لأنقرة لإجراء مثل هذا الاستفتاء نتيجة تداخل مصالح أطراف دولية وإقليمية في سوريا، الأمر الّذي يمنع أنقرة من كشف نواياها في هذه المناطق في الوقت الحالي"، لافتاً إلى أنها "تراهن على المستقبل حول مصير هذه المناطق، سيما وأن الأزمة التي تعيشها سوريا ستستمر لسنواتٍ طويلة".