+A
A-

الجزائر تحرك "وحل" الفساد.. امتصاص للحراك أم محاسبة؟!

أوقفت السلطات الجزائرية، التي تدير المرحلة الانتقالية، منذ أيام رجال أعمال بارزين ووجوها سياسية وأمنية ومسؤولين ووزراء، معروفين بصلتهم الوثيقة بنظام عبد العزيز بوتفليقة، في إطار تحقيقات في قضايا فساد ونهب للمال العام، في تحرك غير مسبوق في التاريخ القضائي بالبلاد، خلّف تساؤلات ما إذا كانت هذه الحملة خطة من السلطة لتشتيت الشارع وتهدئة غضب الحراك الشعبي، أم أنه إعلان عن قطع نهائي مع الفساد وبدء مرحلة جديدة من الشفافية والمحاسبة.

وبدأ القضاء منذ أيام قليلة، باستدعاء رجال أعمال وشخصيات كانت تشغل مناصب في أعلى هرم السلطة، للتحقيق معهم والاستماع لشهاداتهم، كما قرّر إيداع البعض منهم السجن على غرار الملياردير يسعد ربراب والإخوة كونيناف، المقربين من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وكذلك مموّل حملاته الانتخابية، رجل الأعمال الشهير علي حداد، إذ يواجه هؤلاء تهما تتعلق بالاستفادة من امتيازات وقروض كبيرة دون ضمانات، إلى جانب إجراء تحويلات مالية مشبوهة وتهريب أموال من العملة الصعبة نحو الخارج بطرق غير قانونية.

كما طالت حملة القضاء وجوها سياسية معروفة، على غرار أحمد أويحيى آخر رئيس وزراء في نظام بوتفليقة الذي يخضع للتحقيق في قضايا تبديد المال العام وتقديم امتيازات غير مشروعة، وشكيب خليل وزير الطاقة الأسبق بتهمة التورط في تلقي رشاوى وإبرام صفقات مشبوهة، وكذلك وزير المالية محمد لوكال الذي يتابع بتهمة الاشتباه في تبديد المال العام، وأخرى أمنية وشملت المدير العام السابق للأمن الوطني العام عبد الغني بن هامل الذي استدعته المحكمة، الاثنين، في قضايا تتعلق بسوء استعمال الوظيفة واستغلال النفوذ ونهب العقار وأنشطة غير مشروعة 2018.

وأثارت هذه الملاحقات القضائية تباينا في المواقف واختلف الوسط السياسي والشارع حول طبيعتها وجدواها، بين الإشادة والترحيب، وبين التوّجس من نوايا هذه الإجراءات ودوافعها وعلاقتها بمطالب الحراك الشعبي.

"منجل العدالة"

وتعليقاً على هذا التباين، ثمن جلال مناد الباحث والكاتب الجزائري في الشؤون السياسية، "تحرّك المحاكم لفتح قضايا الفساد الخطيرة، وتحرّر جهاز القضاء من سطوة السلطة التنفيذية التي تغولت على كل شيء زمن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة"، موضحاً أن توجيه النيابة العامة لاستدعاءات المثول أمام القضاء، تعني أن "المنجل" بدأ يؤتي مفعوله.

وأضاف أن "المطلوب الآن هو إجراءات أكثر صرامة لتعزيز الرقابة على المال العام ومواجهة عمليات تهريب الأموال العمومية بطريقة منظمة وممنهجة إلى الخارج".

كما أكد مناد لـ"العربية.نت"، وجود سند شعبي لهذا التوجه، مشيرا إلى أن "توافد كبار المسؤولين وأغنى رجال الأعمال على قضاة التحقيق، مشاهد لم يعهدها الجزائريون، الذين كانوا يتألمون حين تتم التضحية في قضايا فساد بصغار الموظفين وضعاف رجال الأعمال"، معتبرا أن ذلك يدل على أنّ "القضاء الجزائري الآن يشهد انقلابا في المفاهيم وتحررا واضحا وموضع تقدير"، داعيا القضاة إلى إثبات دعمهم للجزائريين ولحراكهم، الذي يطالب بمحاسبة المفسدين وحماية الحريات ورفع المظالم.

تساؤل حول خلفيات تحريك العدالة ملفات الفساد

في المقابل، شكك المحلّل السياسي عزالدين بن سويح، في خلفيات تحريك العدالة ملفات الفساد، في هذا التوقيت بالذات، معتبراً التحرك مجرد "استعراض من أجل احتواء الاحتجاجات وامتصاص غضب الحراك الشعبي للالتفاف على مطالبه وإضعافه"، رغم أن محاسبة رموز النظام السابق والفاسدين تعد واحدة من أهم مطالبه.

كما اعتبر بن سويح في تصريح للعربية.نت، أنّ النظام نجح إلى حدّ ما في إبعاد الأنظار عن المطالب الحقيقية للحراك الذي يطالب بالرحيل الكلّي لرموز النظام، وتوجيهها نحو أروقة المحاكم، وفي خلق انقسام في صفوف الجزائريين بين من يدعم هذه الخطوة ومن يرفضها ويطالب بالمزيد".

"انتقائية اختيار الفاسدين"

وأضاف قائلا "مجرّد حملة ظرفية مثل الحملات السابقة، نحتاج أوّلا إلى عدالة حرة وموثوقة تعمل في ظروف هادئة وبطريقة شفافة دون أي ضغط، قبل البدء في محاكمة الفاسدين، لذلك لدينا انطباع أن هذه الحملة ماهي إلا محاولة من النظام لصرف الناس عن حراكهم الشعبي، لكن آمل أن لا ينخدعوا ويواصلوا الدفاع عن مطالبهم بتغيير النظام ثمّ محاسبة رموزه".

وأرجع بن سويح شكوكه، إلى الاتهامات الموجهة إلى الشخصيات التي تم استدعاؤها إلى حدّ الآن للمحاكمة، على غرار أويحيى الذي يتم التحقيق معه بصفته شاهدا، وكذلك علي حداد الذي يتابع في قضيّة حيازة جوازات سفر بطريقة غير قانونية رغم تاريخه في الفساد، وكذلك إلى الانتقائية في اختيار الفاسدين، حيث لم يتم استدعاء شقيق الرئيس سعيد بوتفليقة رغم شراكته الاقتصادية مع الإخوة كونيناف، متسائلا "هل يتم فتح ملفات فساد 20 سنة في وقت قياسي؟.

يذكر أنه يتوقع أن تتسع دائرة الملاحقين في ملفات فساد، خلال الأيام القادمة، حيث يرجح أن يضاف إلى القائمة رئيس حزب جبهة التحرير الحاكم السابق جمال ولد عباس، والوزير السابق سعيد بركات، بعدما برزت تحرّكات لرفع الحصانة عنهما، تمهيدا لتوقيفهما.