في تصريح ملفت للغاية أدلى به منذ أيام الدكتور محمود محيي الدين، النائب الأول لرئيس البنك الدولي قال خلاله إن الأهم من تحقيق معدلات النمو في الدول العربية تحقيق أهداف التنمية المستدامة! التصريح لفت انتباهي بشدة لدرجة أنني تابعت بشغف قراءة باقي الخبر الذي يدلل بقوة على موالاة هذه الجهات الدولية الاهتمام الجل بهذا الأمر، أو هذا المصطلح “التنمية المستدامة”، لدرجة تفضيله على النمو الاقتصادي للدول والذي نعتبره معيار التقدم حاليا بين الأمم من النواحي الاقتصادية.
في باقي الخبر يشرح الدكتور محيي الدين في نقاط مختصرة ما يجب على الدول العربية اتخاذه من إجراءات متتابعة ومتوازية، تشمل 3 محاور وهي اتباع سياسات لدفع حركة النمو وزيادة التشغيل، زيادة الإنفاق الاستثماري في مجال التعليم، الرعاية الصحية، ورقمنة الاقتصاد، وأخيرا توطين التنمية، وهذا يحتاج إلى بنية أساسية ضخمة على مستوى القرى والمراكز، وعلى صعيد المحافظات.
السؤال الذي دار بذهني وربما دار بذهن القراء الكرام الآن، لماذا ذكر الرجل وهو على هذا القدر من العلم والمسؤولية وسبق له أن تولى مناصب وزارية اقتصادية واستثمارية في بلاده، وقال إن التنمية المستدامة أهم من النمو الاقتصادي؟ باختصار شديد لأن التنمية المستدامة كما عرفتها الأمم المتحدة “خطة لتحقيق مستقبل أفضل وأكثر أمنا ورخاء للجميع، وتتصدى من خلال أهداف مرصودة للتحديات العالمية التي نواجهها، بما في ذلك التحديات المتعلقة بالفقر وعدم المساواة والمناخ وتدهور البيئة والازدهار والسلام والعدالة... وغيرها”.
لذا فإن الرجل بما لديه من خبرة يدرك جيدا أن التنمية المستدامة لنا ولأجيال مديدة بعدنا، ولكن النمو لنا فقط، لذا فالعالم بات أبعد نظرا في أولوياته بتأمين المستقبل قبل الحاضر، والحياة لأحفادنا من قبلنا، وهذا لا ينفي إهمال الحاضر في واقع الأمر، لأنه لا مستقبل بلا حاضر جيد.
البنك الدولي في تقرير منذ أيام أيضا قال إن الدول العربية تحتاج نحو 230 مليار دولار استثمارات سنويا لتحقيق الاستدامة في التنمية الاقتصادية، وهو رقم كبير طبعا يحتاج إبداعا في الخطط واستغلال الموارد للوصول إليه، الدول العربية توفر من هذه الاستثمارات نحو 130 مليار دولار ما يعني وجود عجز في الاستثمارات المطلوبة بقيمة 100 مليار دولار، وأعطى البنك على لسان نائب الرئيس الأول “وصفة سريعة” تشمل المزيد من الاهتمام بجذب الاستثمارات المباشرة، مراعاة العدالة في توزيع الدخول.
كما نصح بأهمية رقمنة الاقتصادات العربية والاعتماد على التكنولوجيا وقواعد البيانات والشبكات والذكاء الاصطناعي وتوطين التنمية، وأخيرا حل مشكلة البطالة.
في حقيقة الأمر لتحقيق التنمية المستدامة على المستوى العربي فإن الأمر يتطلب وعيا وجهدا، والوعي أن يتحدث الإعلام والناس عن هذا المصطلح وأولوياته وأهدافه ومبتغاه، وهو ما نحاول من خلال هذا الجهد البسيط إلقاء الضوء عليه.
“التنمية المستدامة لنا ولأجيال مديدة بعدنا، لذا بات العالم أبعد نظرا في أولوياته بتأمين المستقبل قبل الحاضر”.