+A
A-

لبنان يغلي.. والمصارف تؤكد: لن نموّل دلواً مثقوباً!

على وقع تحرّكات نقابية وشعبية وإضرابات واسعة في المؤسسات العامة، أبرزها الإضراب المتواصل لموظفي مصرف لبنان، وهو الأول من نوعه في تاريخ المصرف، تواصل الحكومة اللبنانية مناقشة مشروع الموازنة وسط خلافات بين مكوّناتها على بنود عدة، كان آخرها المادة 60 التي تنصّ على مصادقة وزارة المال على موازنات المؤسسات العامة والتي سببت إشكالا في مسألة موازنة المصرف المركزي.

تراجع حركة السيولة

وسبّب إضراب المصرف المركزي تأثيرات سلبية عديدة طالت العمل المصرفي وحركة السيولة، في ضوء ارتفاع المخاوف من عدم توافر الأموال في المصارف. وتأثّرت التعاملات النقدية بالليرة اللبنانية نتيجة استمرار الإضراب، بحيث تعذّر سحب كميات نقدية كبيرة أو حوالات بالليرة، لعدم توافرها لدى المصارف، خلافا لواقع التعامل بالدولار الذي لم يتأثر بالإضراب ما دام لا علاقة لمصرف لبنان به.

إلى ذلك، وبسبب الإضراب، علّقت بورصة بيروت تداولاتها حتى إشعار آخر.

وفي خضم المساعي إلى إيجاد المخارج المؤدية إلى حل الأزمة الاقتصادية المُنذرة بالانهيار، لا يتردّد البعض في التصويب على المصرف المركزي والمصارف اللبنانية وتحميلها مسؤولية ما وصلت إليه البلاد من دين عام تخطّى الثمانين مليار دولار، كان أبرزهم أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله مخاطباً المصارف "نحن أهل بلد واحد وسفينة واحدة، فيا أصحاب المصارف في لبنان، إذا لم تتعاونوا وانهار الوضع المالي والاقتصادي فما هو مصيركم ومصير استثماراتكم؟ خدمة الدين أو الفائدة نريد تخفيضها وهذا أقل الواجب الوطني والأخلاقي".

"لا أموال في دلو مثقوب"

وفي حين لا تزال جمعية مصارف لبنان تلتزم الصمت حول ما يُحكى عن دور مُرتقب للمصارف في مشروع قانون موازنة 2019 التقشفيّة وإمكانية مساهمة المصارف في دعمها لتخفيف العجز وتراكم الدين العام، كشفت مصادر مصرفية رفيعة لـ"العربية.نت" عن "أن لا مساهمات من المصارف في خزينة الدولة ما دامت الإصلاحات لم تُنفّذ، لأن المصارف ليست مستعدة لوضع الأموال في "دلو مثقوب" (في إشارة إلى غياب الإصلاحات)، موضحةً "أننا لم نتلق أي اتصال من الجهات السياسية الرسمية في هذا الخصوص".

كما أكدت "حين تُنفّذ الحكومة الإصلاحات كما تعهّدت بها، فإن المصارف ستضطلع بدورها ومسؤوليتها كاملة تجاه الدولة وماليتها العامة"، موضحة "كل التدابير التي اتخذتها الحكومة حتى اليوم غير كافية، إذ إن مشروع الموازنة والإصلاحات والخفوضات الواردة فيه، تبقى حلاً ناقصاً لأن المطلوب إجراء عملية جراحية، وبالتالي لم يعد العلاج بالمسكّنات يُفيد".

وشددت على "أن تطبيق الإصلاحات كفيل بخفض الفوائد، ما يؤدي إلى خفض الدين العام".

إلى ذلك، رأت تلك المصادر المصرفية أن "القطاع المصرفي يغذي خزينة الدولة اللبنانية سنوياً بمبلغ يفوق مليارين و600 مليون دولار من الرسوم والضرائب على اختلافها، بمعنى أن القطاع يسدّد للدولة ما عليه من رسوم وضرائب، وهذا الأمر موثّق".

شلل تام

يذكر أن الإضراب في المؤسسات العامة والمصالح المستقلة الخاصة ومصرف لبنان استمر الاثنين، رغم الأجواء الإيجابية التي تلقتها الاتحادات والنقابات المعنية.

وانطلقت كرة ثلج الإضرابات الأسبوع الفائت، وكان أبرزها من قبل مصرف لبنان، حيث توقّف الموظفون عن العمل رفضاً للمسّ برواتبهم ومستحقاتهم وتنديداً بالحملة التي تطال مصرف لبنان وحاكمه رياض سلامة، وامتدت إلى اتحادات المصالح المستقلة والمؤسسات العامة والخاصة والضمان الاجتماعي والجامعة اللبنانية، في وقت واصل القضاة عدم حضور الجلسات في قصور العدل في بيروت والمناطق، رفضاً للمسّ بالرواتب وبالنظام التقاعدي كما هو وارد في مشروع الموازنة بحسب ما يُسرّب.

وكان رئيس الحكومة سعد الحريري أكد في وقت سابق "أن ما يُحكى عن تخفيضات للرواتب كلام صحف"، لافتاً إلى "أن الحكومة تعمل ليلاً ونهاراً للوصول إلى أرقام تحفظ مالية الدولة وأصحاب الدخل المحدود"، موضحاً "إن عمر الحكومة شهران وعليها وضع موازنة تقشفية لم يتم وضع مثلها في لبنان".

أزمة محروقات خلال أيام!

يشار إلى أن استمرار إضراب موظفي مصرف لبنان، سيؤدي إلى انسحاب آثاره السلبية إلى قطاع المحروقات في لبنان، مع تأكيد أصحاب الشأن "أنه ستكون هناك أزمة محروقات خلال أيام إن لم تحل أزمة مصرف لبنان، باعتبار أن أصحاب المحطات يبيعون الزبائن بالليرة اللبنانية، ولا يوجد معهم دولار".

وفي ظل تلك التحرّكات في لبنان، اعتبر بعض المسؤولين الاقتصاديين والسياسيين أنها تأتي من بعض القوى السياسية من أجل تأليب الشارع برمي "فزّاعة" المس بالرواتب للضغط على القطاع المالي بهدف تسديد مستحقات الدولة، وضرب القطاع المالي الذي يُشكّل إلى جانب العسكري العمود الفقري للدولة تمهيداً لوضع اليد عليه.

في المقابل، أكد وزير المال علي حسن خليل "أن لا أحد يستهدف البنك المركزي ولا الموظفين، أما زيادة الضريبة ‏على الفوائد من 7 إلى 10 بالمئة فنصرّ عليها وهي جزء أساسي من ترتيب الموازنة وتوازنها"، موضحاً "أن الكلام عن وصاية وزارة المال على المصرف المركزي هو كلام سخيف، والبنك المركزي يخضع لقانون النقد والتسليف، والكلام في هذه المسألة هو كلام مشبوه"، وذلك في معرض ردّه على معلومات سرت خلال اليومين الماضيين عن اتّجاه لدى وزارة المال إلى وضع مصرف لبنان تحت وصايتها.