+A
A-

لبنان "يلملم" اقتصاده.. فما كانت كلفة حروب حزب الله؟

في انتظار أن يسلك مشروع موازنة لبنان 2019، طريقه كمشروع قانون في مجلس الوزراء، ويصدر قانون من مجلس النواب، معدّلاً أو بلا تعديل، وفيما الكباش على أشدّه بين الحكومة اللبنانية والنقابات بسبب القرارات التقشفية الصعبة التي يتخوف المواطنون من أن تمتد إلى جيوبهم وحقوقهم بدلا من أن تطال مزاريب الهدر الهائلة، يتساءل عدد من اللبنانيين عن كلفة حروب "حزب الله" الداخلية وانقضاضه على المالية العامة في عملية "تشريح" أرقام الموازنة؟

"لو كنت أعلم"

عقب حرب تموز 2006 التي شنّتها إسرائيل على لبنان بسبب أسر "حزب الله" لجنديين إسرائيليين، قال أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله: "لو كنت أعلم أن ردّة فعل إسرائيل ستكون بهذا العنف لما كنت خطفت الجنود".

فكم بلغت كلفة تلك الحرب الوحشية التي شنّتها إسرائيل ضدّ لبنان وأشعل شرارتها "حزب الله" من دون الرجوع إلى الحكومة اللبنانية، علماً أن لبنان في وقتها كان يعوّل على موسم سياحي واعد في صيف 2006 لرفع معدلات النمو"؟

1.6 مليار دولار خسائر

بحسب تقرير لوزارة المالية صدر بعد شهرين من حرب تموز العام 2006، بلغ حجم الخسائر على الاقتصاد اللبناني والمالية العامة بسبب حرب تموز 2006 حوالي 2,419 مليار ليرة (1.6 مليار دولار)، وذلك مع عدم الأخذ في الاعتبار، عند احتساب النفقات، الكلفة الإجمالية لأضرار البنى التحتية، وما تحملته الخزينة من نفقات إعادة الأعمار.

وأشار التقرير إلى "أنه خلال السنوات التي سبقت وقوع الحرب، خصوصاً خلال العام المنصرم، نجحت الحكومة اللبنانية في تعزيز الاستقرار المالي والنقدي، وتجلى ذلك في التحسن الملموس الذي طرأ على الفائض الأولي الإجمالي خلال النصف الأول من عام 2006، وقبل اندلاع الحرب وبدء الاجتياح الإسرائيلي، والذي بلغ نحو 994 مليار ليرة لبنانية (660 مليون دولار) أي بزيادة تجاوزت أربعة أضعاف الفائض الأولي الإجمالي المحقق خلال النصف الأول من عام 2005.

إلا أن أحداث تموز أفشلت الجهود التي كانت تسعى الحكومة من خلالها إلى تحقيق مزيد من الاستقرار المالي والاقتصادي. كما أطاحت بالتوقعات التي كانت تشير إلى أن النمو الاقتصادي المرتقب للعام الحالي 2006 كان سيبلغ أكثر من 5 في المئة، بالإضافة إلى أن الدمار الهائل والخسائر البشرية والمادية التي خلفتها الحرب ستؤدي إلى تراجع كبير في معدلات النمو الاقتصادي وإلى ارتفاع مستوى الإنفاق العام.

ووصل إجمالي الدين العام إلى حدود 62 ألف مليار ليرة (41 مليار دولار) مع نهاية 2006.

حصار السراي الحكومي

وفيما كان لبنان الرسمي والشعبي لا يزال يُلملم أضرار حرب تموز، لجأ الثنائي الشيعي "حزب الله" و"حركة أمل" إلى الاستقالة من حكومة فؤاد السنيورة، مطالبين بتوسيع الحكومة وإعطاء المعارضة التي ينتمون لصفوفها الثلث المعطّل، فبدأوا اعتصاماً في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2006 بنصب أكثر من 600 خيمة حول مقر رئاسة الحكومة في وسط بيروت.

وأرفقت المعارضة اعتصامها بإضراب احتجاجي في يناير/كانون الثاني 2007 تحوّل إلى مواجهات في الشارع انتهت بتدخل الجيش وطلب كل طرف سحب أنصاره بعد أن برز خطر انفلات شامل.

وفرض مخيم "حزب الله" في وسط بيروت على عدد كبير من الأسواق إغلاق أبوابها، وهي من العناصر التي كان يمكن أن تساعد في تحقيق النمو. ولم يُفك الاعتصام إلا بعد 18 شهراً نتيجة اتفاق أجري في 21/مايو أيار 2008.

وطيلة تلك الفترة غاب الانتظام عن عمل المؤسسات الدستورية، وأقفلت أبواب مجلس النواب ما حال دون إقرار الموازنة ومشاريع واقتراحات قوانين.

هدر فرصة نفطية

وبسبب تلك الأزمة السياسية التي عصفت بالبلد، فوّت لبنان فرصة "نفطية" ثمينة نتيجة الفورة المالية التي شهدتها المنطقة بفعل ارتفاع أسعار النفط عالمياً وتوافر سيولة فائضة في دول الخليج النفطية، بحيث كان يمكن أن يفيد من هذه الأموال ويجتذبها استثمارات وحركة سياحية واقتصادية.

غزوة بيروت في 7 أيار

وقبل أيام من فكّ الاعتصام في وسط بيروت، اجتاحت جحافل مسلحين من موالين لـ"حزب الله" و"حركة امل" العاصمة بسبب قرار الحكومة إلغاء شبكة الاتصال التابعة للحزب في المطار، ونفّذوا سلسلة اعتداءات على أهل بيروت وعلى المرافق الاقتصادية والخدماتية، وأقفل مطار رفيق الحريري الدولي من خلال نشر مسلّحيه على طريق المطار وقطع الطريق المؤدية إليه بالأطر المشتعلة، وملأت مواكب مسلّحي "حزب الله" و"أمل" والحزب "السوري القومي الاجتماعي" و"البعث" شوارع بيروت بطولها وعرضها من دون حسيب أو رقيب.

وانتهت أحداث أيار باتفاق على انتخاب الرئيس ميشال سليمان رئيساً للجمهورية.

إسقاط حكومة الحريري الأولى

ولم يكد لبنان يستعيد عافيته السياسية بعد انتظام عمل المؤسسات بعد اتّفاق الدوحة، حتى عادت الأزمة السياسية لتتسلل إلى الدولة مع العودة إلى سلاح الاستقالة بإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري أثناء لقائه الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض بسبب قضية شهود الزور.

وفي العام 2014 دخل لبنان شغوراً رئاسياً حمّلت قوى "14 آذار" "حزب الله" مسؤوليته بسبب تمسّكه بمرشّح وحيد هو العماد ميشال عون (انتخب لاحقاً رئيساً للجمهورية في 2016 بعد تسوية سياسية).

فهذا السرد الزمني لتصرّف "حزب الله" تجاه مؤسسات الدولة الشرعية وعدم احترامه للدستور كبّد خزينة الدولة خسائر بالمليارات، باعتبار أن عدم انتظام عمل المؤسسات يُحدث خللاً في المالية العامة.

أعباء مالية إضافية

وفي هذا السياق، وبعد أن دعا حزب الله المصارف إلى تحمل بعض الأعباء المالية التي ترزح تحتها البلاد، في ظل موجة الغضب والإضرابات في بعض المؤسسات العامة على خلفية ما أشيع من احتمال أن تتضمن الموازنة التي يناقشها مجلس النواب حالياً بعض البنود التي قد تقتطع من حقوق الموظفين في الإدارات العامة، اعتبر رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة في حديث لـ"العربية.نت" "أن كل ما حصل من أحداث سياسية وأمنية منذ العام 2005 وحتى اليوم ساهم في ارتفاع معدل الدين العام"، إلا أنه أوضح "أن ما تراكم على مدى السنوات العشرين الماضية بدأ مع "الاستعصاء" على الإصلاح وتحميل الدولة أعباء مالية كبيرة".

ولفت إلى "أن الخلل السياسي الداخلي الذي نشأ خلال تلك الفترة معطوفاً على الخلل الخارجي ساهما في تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان، وبالتالي تراجع معدلات النمو".

ابتلاع الدويلة للدولة

وشرح قائلاً "إننا وابتداءً من العام 2011 بدأ النمو يُسجّل تراجعاً في معدلاته ليس بسبب نشوء الأزمة السورية وإنما لأسباب داخلية مرتبطة بتفاقم "ابتلاع" الدويلات للدولة وهذا ما أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم".

وفي غمرة التفتيش عن مصادر مالية لتمويل العجز وتخفيض الهدر، اعتبر السنيورة "أن الحلول تقتضي ليس فقط معالجات مالية وإنما سياسية"، جازماً "بأن تعطيل المؤسسات طيلة تلك الفترة من قبل الدويلة فاقم الأزمة الاقتصادية وضاعف معدلات الدين العام".

كما أشار إلى "أن الفرصة مازالت متاحة أمام لبنان واللبنانيين للخروج من هذه المآزق المتّسعة والمتوسعة، وذلك بتصويب البوصلة الوطنية الداخلية وبوصلة السياسة الخارجية وأيضا المسارعة إلى اعتماد السياسات والإجراءات الصحيحة لمعالجة الأمور المتعلقة بإدارة الشأن العام في البلاد".