العدد 3867
الجمعة 17 مايو 2019
banner
النظافة من الإيمان
الجمعة 17 مايو 2019

شاءت الظروف أن أتواجد في مدينة اسطنبول التركية خلال الأسبوع الأول من شهر رمضان المبارك، وقد أسرني جمال هذه المدينة الساحرة التي تجمع الغرب والشرق من عادات وتقاليد وديانات، حيث كانت آخر زيارة لي لهذه المدينة قبل حوالي عشر سنوات، وقد اندهشت كثيراً بمدى التطور الذي حصل خلال هذه الفترة القصيرة نسبياً، ولا أعني هنا المجال السياسي فأنا لا أتطرق غالباً إلى السياسة، فسياسة تركيا الخارجية ومواقفها المثيرة للجدل مواضيع لا أحب الخوض فيها، ولكن قد لا يختلف معي كُل من سافر إلى هناك وشاهد عن قرب مدى التطوير الذي لحق بهذه الدولة والذي يعكسه ارتفاع عدد سياحها بشكل سنوي نتيجة الإمكانيات السياحية الجاذبة والأسعار المناسبة.
بالإضافة إلى ذلك نجد جودة الخدمات اللوجستية المقدمة والبنى التحتية من مطارات ومترو أنفاق وجسور وغيرها والتي لا تقل عن الدول المتقدمة فماذا يعني ذلك؟ يعني سلامة التخطيط وصرامة تطبيق النظام، ودقة المتابعة والمراقبة وهما برأيي من أهم عناصر وأسباب النجاح، خصوصا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار العدد الكبير لسكّان تركيا. ما لفت نظري خلال الزيارة قيام جمع غفير من المواطنين البسطاء بالتجمع في ساحة سلطان أحمد لتناول وجبة الإفطار في أول أيام شهر رمضان المبارك، بصراحة كان المنظر رائعاً والجميع كانوا على قدر كبير من المسؤولية حيث التزم الجميع بالقواعد والنظام، وجلس الصغار والكبار على موائد الإفطار وهم يستمعون إلى آيات من الذكر الحكيم والأحاديث الشريفة والأدعية.
وعلى الرغم من العدد الضخم من الحضور، الا أنني تعمدت العودة إلى نفس الساحة بعد الانتهاء من وجبة الإفطار لأتعرف عن كثب على تلك العادات والتقاليد. وهنا كانت المفاجأة... مستوى نظافة الساحة كان غير قابل للتصديق ولا يمكن تصوره، فكيف يمكن لهذا الجمع الغفير مغادرة المكان ليكون أنظف مما كان عليه! يأتي هنا بالطبع دور البلدية في القيام بواجباتها على أكمل وجه، وهنا تأكدت أن الحفاظ على النظافة مسؤولية الجميع، وهذه ثقافة عامة. أدركت أنه لولا تعاون الناس لما استطاعت البلدية وحدها القيام بواجباتها بشكل صحيح.
وكما قلنا مراراً وتكراراً يتعيّن أن نزرع ثقافة النظافّة والحفاظ عليها منذ الصغر وإلا لن نتمكن بعد ذلك من ترسيخ هذا المبدأ في حياتنا، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “النظافة من الإيمان” ويحرص الرسول (ص) والدين الإسلامي على النظافة والمحافظة عليها لما لها من أهمية كبيرة في الحفاظ على صحة الإنسان  وحمايته من الأمراض.
حقيقة أخرى ينبغي معرفتها هنا وهي أن النظافة لا علاقة لها أبداً بالمستوى المعيشي للشعوب، فهناك شعوب فقيرة جداً ولكنها تتمتّع بقدر كبير من النظافة.
اللهم احفظ وطننا الغالي وقيادته الرشيدة، وبارك لنا في شهرك الفضيل، وأسبغ علينا فيه من واسع فضلك ومغفرتك. وكل عام وأنتم بخير.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية