العدد 3877
الإثنين 27 مايو 2019
banner
طاعة السلطة وأساليب المعارضة في الفكر الاجتماعي (3)
الإثنين 27 مايو 2019

بينا سابقا تجربة الجماعات التي حكمت وسيطرت على العراق بعد سقوط النظام العراقي، لكن بالرجوع إلى تجربة البعث في العراق سابقا فإنها تختلف اختلافا جذريا، فقد خاض صدام حسين حروبا طاحنة وتعرض العراق لحصار شديد، لكن العراق لم يصل خلال عهده الذي امتد إلى 32 عاما إلى ما وصل إليه عراق اليوم خلال حكم هذه الجماعات من فساد وتخلف ومجاعات وتمزيق المجتمع إلى طوائف ثم القتل والتهجير والتشريد وسقوط منظومة القيم، فهذه الجماعات جعلت الصراع وبعد أن كان في ظل حكم النظام السابق صراعا سياسيا قائما ضد الاستبداد، إلى صراع طائفي، حيث لم تكن الموازين طائفية بقدر ما هي موازين الولاء لحزب البعث وقيادته السياسية، فمن كان يوالي السلطة القائمة بغض النظر عن (عرقه، دينه، طائفته) كان يقرب من قبل النظام، فمثلا التمرد الذي وقع في عام 1991 في جنوب وشمال العراق كان القائد الميداني الذي قمع التمرد هو محمود حمزة الزبيدي، وكان شيعيا، بالإضافة إلى الكثير من القبائل الشيعية في الجنوب التي وقفت إلى جانب صدام حسين في مواجهة ذلك التمرد، ويضاف إلى ذلك أن القوات الأمنية للنظام كانت من الطائفتين السنية والشيعية، وكذلك كان قادة الحرس الجمهوري والقوات الخاصة وكان المعيار الرئيسي لاختيارهم الولاء للرئيس وحزب البعث، أي أن نظام البعث لم يكن طائفيا، وهذا لا يعني تبرير بعض الممارسات التي حدثت في عهد النظام العراقي، لكن تحويل الصراع في العراق إلى صراع طائفي هو تحويل منظم من قبل هذه التيارات المدجنة في إيران، والتي تعمل لصالح مشروع إيران العنصري في المنطقة، وحاولت التركيز على التجربة العراقية لوجود قناعة بأنها أم المشاكل والسبب الرئيس في ظهور تيارات متوحشة سنية، حازت على تعاطف من بعض مكونات الطائفة السنية في العراق، في زمن حكم الجماعات الطائفية في العراق والتي أخذت تنتهج نهج هذه التيارات الحاكمة بشنها حربا طائفية على مكونات معينة من الشعب العراقي، وهذه الممارسات لم تأت بالوبال على مكون معين بل على العراق ككل.

كانت التيارات تجعل من الانتماء سلما للوثوب والتمسك بالسلطة عبر التخويف الدائم من الآخر، وعليه فإن التعرض للظلم من قبل مكون ينتمي لطائفة معينة لا يعني أنها كلها كذلك، ولا يعني أن يتم الإتيان بمشروع طائفي لمجابهة مشروع طائفي مقيت، وهذا ما قامت به بعض المكونات التي تنتمي للطائفة السنية التي أخذت بتأييد داعش بذات الأسلوب وذات العقلية وذات الممارسات الطائفية بحق أبناء الطوائف الأخرى في العراق، المشروعان وجهان لعملة واحدة وليس الحل بأن تعالج الخطأ بالخطأ، إنما بالعودة للمشروع الوطني وليس الارتهان لدول أخرى لا تهدف إلا إلى تحقيق مصالحها، وهذه الأمراض (الطائفية  - الاجتماعية – السياسية) أخذت بالانتشار في الوطن العربي وهذا ما أوجب البحث في موضوع طاعة السلطة وأساليب الاعتراض في الفكر الاجتماعي وللموضوع تتمة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .