العدد 3897
الأحد 16 يونيو 2019
banner
سفير للإمام المهدي المنتظر في البحرين ومهدي في السودان وآخر في السعودية! 1-2
الأحد 16 يونيو 2019

وأنا أراجع وأتصفح بعضًا من الأوراق التي احتفظت بها أثناء تقلدي مسؤولية وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وجدت وريقات تضمنت ملاحظات كنت قد كتبتها تحت عنوان “جماعة السفارة”. هذه الجماعة الصغيرة تشكلت في البحرين منذ بداية العقد الثامن من القرن الماضي في حوالي العام 1980م من عدد من الأفراد من بينهم رجال دين شبان مبتدئين يقودهم شخص فقير في تحصيله الديني أو العلمي ومتواضع في قدرته الفكرية والثقافية، لكنه أسبغ على نفسه لقب “باب المولى”، وقال إن له اتصالا مباشرا بالإمام المهدي المنتظر، وإن الإمام يزوره ويخاطبه، وقد أبدى له الإمام استياءه وتذمره للوضع المزري والمتردي الذي وصل إليه حال المسلمين، وعينه مندوبًا عنه أو “سفيرًا” له، وكلفه بالاضطلاع بمهمة “تجديد” الدين وإصلاح شؤون المسلمين وإعادتهم إلى جادة الصواب؛ تمهيدًا للخروج المهدوي المحتوم.

والمعروف أن كل الأديان والمعتقدات تقريبًا تؤمن بأن مصير أتباعها سيؤول في نهاية المطاف إلى الضلال والفساد والانحراف، وأن شخصًا مُلهَمًا أو مبعوثًا من السماء سيأتي إليهم كمخلص ومنقذ ليسدد ويصلح أمرهم “كالسيد المسيح”، على سبيل المثال لا الحصر، وأن المسلمين سنتهم وشيعتهم لا يختلفون في ذلك، ويتفقون ويؤمنون بأن المهدي المنتظر سيظهر آخر الزمان، وسينشر في الأرض العدل والسلام والحق بعد أن مُلئت بالظلم والجور، وأن السنة يؤكدون أن النبي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قد قال: “لو لم يبقَ منَ الدُّنيا إلا يومٌ لطوَّلَ اللهُ ذلك اليومَ حتى يبعثَ رجلًا مني أو من أهلِ بيتي يُواطِئُ اسمُه اسمي واسمُ أبيهِ اسمُ أبي يملأُ الأرضَ قسطًا وعدلًا كما مُلِئَتْ ظلمًا وجورًا”، رواه عبدالله بن مسعود، (رضي الله عنه).

السنة والشيعة متفقون أيضًا على أن المهدي المنتظر هو من نسل السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء ابنة خير الخلق أجمعين، وأنه حفيد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وكرم الله وجهه، لكن الاختلاف يكمن في قول السنة بأنه سيولد في آخر الزمان من نسل الإمام الحسن بن علي، بينما الشيعة تقول إنه من نسل الإمام الحسين بن علي، وإنه ولد بالفعل وهو حي يرزق، ولكنه مختفٍ وغائب عن الأنظار منذ العام 265هـ، وسيظهر في نهاية الزمان. وبالنسبة إلى الشيعة، فإن قضية “المهدوية” هي من أهم أسس وأركان الإيمان، وهي ليست كذلك بالنسبة إلى السنة، بل إنه لا يوجد حديث واحد في البخاري ومسلم قطعي الدلالة على وجود فكرة المهدي المنتظر.

ونعود إلى “سفير” الإمام المهدي وجماعته في البحرين، فقد باشر “السفير” دعوته في البداية بالسر والخفاء، ومن داخل السجن الذي أُودع فيه لأسباب سياسية ثم من خارجه، ونجح في استقطاب أعداد متزايدة من الأتباع والمريدين، كما أنه ركز في دعوته على استقطاب النساء، خصوصا الثريات منهن، وكان من بينهن، كما قيل لي وقتها، فتاة بحرينية شابة وهبت كامل حصتها وما ورثته من تركة والدها الثري جدًا إلى صندوق أو جيب السفير كمساهمة منها لنشر دعوته.

انتشر أمر وخبر “السفير” وجماعته بين الناس، وصارت مبعث تهكم وسخرية واستياء من الجميع، وخصوصًا من رجال الدين الشيعة كافة، الذين اتفقوا على رفض هذه الدعوة والتصدي لها على أساس أنها بدعة وهرطقة ومفسدة. أما بالنسبة إلى رجال الدين السنة، فلم يكن الأمر يعنيهم أو يهمهم كثيرًا، إذ إنهم لا يؤمنون أصلًا بوجود الإمام المهدي حيًا حتى يتم الاتصال به.

ومع ازدياد حدة التصدي والمعارضة لهذه الفكرة توسعت دائرة الأتباع والمريدين لها، وهي من طبائع البشر الغريبة، فاتسعت القاعدة لتشمل أسرًا كبيرة لا مجرد أفراد.

 

ومنذ توليه زمام الحكم في البلاد في العام 1999، بدأ صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه بتدشين “البرنامج الإصلاحي” الذي يهدف إلى إرساء دعائم نظام حكم ملكي دستوري ديمقراطي، والذي تُوج بإقرار “ميثاق العمل الوطني” في 14 فبراير 2001 بعد أن حاز موافقة 98.4 % من المشاركين في الاستفتاء.

وكان من أهم عناصر ومكونات البرنامج الإصلاحي الهادفة إلى تعزيز مسيرة الديمقراطية في البلاد، تشجيع ودعم وتسهيل إنشاء “مؤسسات المجتمع المدني” لتشكل البنية التحتية لدولة المؤسسات، وتتكون من منظمات مدنية غير حكومية تطوعية تضم مجموعة من الأفراد، وتقوم بأنشطة اجتماعية وثقافية وغيرها وتتمتع بالاستقلال. وأوكل إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في ذلك الوقت مسؤولية الترخيص لإنشاء هذه المؤسسات شريطة التزام كل منها في ممارسة نشاطها بالأساليب السلمية وبموجب أحكام ميثاق العمل الوطني ودستور المملكة واحترام سيادة القانون، والمحافظة على استقلال وأمن الدولة، وصون الوحدة الوطنية. فانهالت على الوزارة طلبات تأسيس العشرات من المؤسسات والجمعيات الدينية والاجتماعية والخيرية وغيرها، وبادرت مختلف الاتجاهات والأحزاب التي كانت تعمل في السر بإشهار نفسها كجمعيات سياسية تعمل تحت عناوين ومسميات وشعارات مختلفة، حتى وصل عددها إلى ست عشرة جمعية سياسية؛ منها جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، وجمعية المنبر الديمقراطي التقدمي، وجمعية العمل الوطني الديمقراطي، وجمعية الأصالة وغيرها، كما تلقت الوزارة سيلا من الطلبات لتسجيل جمعيات أخرى منها على سبيل المثال “جمعية القطط الدلمونية” وما شابه، وكان من بين الطلبات أيضًا واحد من “جماعة السفارة” لتأسيس جمعية تحت اسم “جمعية التجديد الإسلامي”.

عندها ارتفعت أصوات المعارضين والمنددين والرافضين لوجود هذه الجماعة، ناهيك عن الاعتراف بهم وتسجيل جمعية باسمهم، ووصموهم بالكفر والمروق والفجور ووصفوا فكرهم بالشذوذ والانحراف والضلال، فجاء التوجيه السامي بعدم تسجيل هذه الجمعية إلا بعد التنسيق مع كبار رجال الدين المعنيين وأخذ رأيهم ومشورتهم. وبالفعل أُجريت الاتصالات المطلوبة، وكان من بين رجال الدين الذين تم الاتصال بهم أو على رأسهم سماحة الشيخ سليمان المدني (طيب الله ثراه)، وفي النهاية وافق رجال الدين على سحب اعتراضهم ورفضهم لتسجيل الجمعية من منطلق اقتناعهم بأن تشديد الحصار والمعارضة لم ينجح في خنق وإخماد هذه الفكرة، بل أعطت نتائج عكسية تمامًا، وعلى أساس احترام قواعد الديمقراطية الوليدة، وعدم تأسيس مبدأ سلب حرية التعبير ممن نختلف معهم في الرأي وحرمانهم من ممارسة حقهم، وأيضًا على أساس عدم تسجيلها كجمعية دينية وضمان التزامها بالأنظمة والقوانين، وعدم التعرض والاعتداء على معتقدات الآخرين، وشريطة ألا يُلصق اسم الإسلام بها، فتم على هذه الأسس تسجيل وإشهار الجمعية في شهر فبراير 2002 تحت اسم “جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية” بدلا من “جمعية التجديد الإسلامي”.

وبعد أن أشهرت الجمعية وظهرت إلى فضاء النور وحيز العلن انطفأ بريق رسالتها، وخفت صوت جماعتها، وتقلص عدد الأتباع والمريدين ولم يبق منهم سوى من أخذته العزة بالإثم أو مَن غَيّر جلبابه وبدَّل طاقيته، وتوارى مؤسسها عن الأنظار وعاد إلى حجمه الطبيعي وتخلى عن منصب “السفير” أو تخلى المنصب عنه (قبل أن يتمكن من تقديم أوراق اعتماده)، واختفت حتى الإشارة إلى الإمام المهدي المنتظر من أدبيات الجمعية وشعاراتها، قال سبحانه وتعالى: “فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ”.

مؤسس “جماعة السفارة” في البحرين الذي ادعى اتصاله المباشر بالإمام المهدي وتكليفه أو تقليده منصب السفير من قِبَله، لم يكن الأول أو الوحيد من نوعه، فقد شهدت بل ابتليت واكتظت الساحتان الشيعية والسنية بالكثير من أمثاله، أكثرهم ادعى أنه المهدي المنتظر نفسه، وكلهم ينتمون إلى الفئة التي لا تتردد عن توظيف الدين سياسيًا أو تتورع عن استغلال معتقدات وعواطف الناس البسطاء لتحقيق مآربها ومكاسبها السياسية والدنيوية، كما أن بعض المدعين قاموا بذلك نتيجة انحراف أو خلل فكري أو اضطراب نفسي أصابهم أو حبًا في الظهور والتسلط أو بغية جني الأموال أو لكل تلك الأسباب والأهداف مجتمعة.

وسنتوقف بشكل عابر ومقتضب في لقائنا معكم غدًا، إن شاء الله، أمام حالتين فقط من حالات التقمص والادعاء بالمهدوية؛ نظرًا لأهميتهما وخطورتهما.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .