العدد 3897
الأحد 16 يونيو 2019
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
الرق السيكولوجي للأشياء (20)
الأحد 16 يونيو 2019

كثير من الفلاسفة نظّروا للسعادة، وكيف يصبح الإنسان سعيدا؟ فهل تكون السعادة بالمال أو المنصب أو الشهرة أو الحب أو الدين؟

وإذا كان كذلك، فلماذا كثير من الأغنياء غير سعداء ومكتئبون أو يقدمون على الانتحار كما تشير إحصاءات مفزعة في ذلك؟ كما حدث للمليونيرة كريستين أوناسيس.. إذ لم تستطع الثروة أن تحقق لها أبسط معاني السعادة فقررت الانتحار! تماما كما حدث لـ لورنس سميدلي.. أغنى أغنياء بريطانيا اختار أن يموت بدل معالجة مرضه والبقاء مع زوجته..

وإذا كان المنصب يقي الإنسان من الخذلان، فلماذا انتحر هتلر؟ ولماذا أكثر سياسيي العالم وعلى مر التاريخ كانوا تعساء ويعيشون سعادة مقنعة؟ ولماذا الشهرة لم تسعف أو تنقد الروائي الأميركي الكبير ارنست همنجواي من الانتحار؟ وهو الذي كتب أفضل رواية تدل على إرادة وقدرة الإنسان في مواجهة التحديات، وقهر الطبيعة كما في روايته “العجوز والبحر”؟ وكذلك الموسيقار الروسي تشايكوفيسكي صاحب مقطوعة “بحيرة البجع” و “كسارة البندق” لم تستطع لا موسيقاه، ولا شهرته إنقاذه من الاستسلام لتعاسة داخلية، وحزن داخلي، ففي الوقت الذي كانت فيه مقطوعاته تعزف للعالم أجمل الموسيقى، كانت في داخل قلبه تعزف عزفا جنائزيا، قاده للموت.

وكذلك أمر الرسام الهولندي فان جوخ، والروائية فرجينيا وولف، فالشهرة لم تمنع التعاسة، ولم تستطع صناعة السعادة كما حدث للمثل الكوميدي، روبين وليامس.. إذ وجد منتحرًا بعد رحلة اكتئاب شديدة عزلته عن أقرب الناس إليه. وكيف انتهى المطاف بمايكل جاكسون للموت وحيدا في الوقت الذي كان كل العالم يتمنى الجلوس معه؟

ومن يقرأ سيرة من صنعوا التاريخ أمثال لويس الرابع عشر، فكان يقضي الكثير من الليالي مكتئبا بسبب الدسائس والخيانات والغدر والحروب والآلام وكذلك الحال لنابليون وتشرشل وغيرهما. حتى العشق لا يمكن أن يجلب السعادة، وبين أيدينا أمثلة عديدة: لقيس بن الملوح، ومايكل أنجلو، وأوسكار وايلد، ونيتشه، وبلزاك، وغوستاف فلوبير، وجان جنيه، ورامبو ولوركا وسلفادور دالي وديدرو باسكال من فلاسفة وكتاب وفنانين. إذن هناك سر خفيا وراء تعاسة الإنسان! المفتاح الذي سيفتح لك منجم السعادة: هو الإيمان بالله.. أول الطريق. ومعرفة الله تكون بترسيخ القيم الكونية، وتكون إنسانا ذا خلق، حضاريا، ذا نزعة إنسانية.

إن هناك نظريات كثيرة اشتغلت كثيرا في فلسفة مفهوم السعادة، لكنها تبقى ناقصة. قناعتي في السعادة أنها خلطة متكاملة ألخصها في هذا المفهوم: أولا: ألا تلهث وراء الأشياء بشكل جنوني، فكل شيء تبالغ في عشقه أو طلبه أو الإلحاح عليه لن تحصل عليه، وهذا يقودك إلى التوازن الداخلي.

ثانيا: السلام الداخلي، وأن تكون متصالحا مع الذات وتعيش الحياة التي تحبها لا التي تملى عليك وفق إيقاع توازني كما تريد أنت لا كما يريد الناس، فكما يقول سارتر: الآخرون هم الجحيم.

ثالثا: أكبر منقذ لكل هذه الفوضى العالمية وحالات القلق والاكتئاب العالمي الإيمان بالله، وتعزيز التوازن الروحي.

رابعا: إياك والعشق. خامسا: التوازن الاجتماعي، وأن تحب الناس من بعيد باستخدام ذكاء المسافة. ثم الاهتمام بالثالوث الذهبي: 1. تثقيف العقل، 2. أجراس الضمير، 3. المحفظة غير المثقوبة.

إن الفلسفة الرواقية أصابت بتعريفها للإنسان الحكيم ومن يريد السعادة قائلة “الحكيم: هو الذي يندم أقل، ويأمل أقل، ويحب أكثر”.

كما قلت هي خلطة متكاملة في توازن: تقوى، ومال، وصحة، وحب، وسلام داخلي، ومحاولة لتقليل المنغصات في الخارج، وصناعة الحديقة الخاصة في حال كثرة الأقنعة، والابتعاد عن الأشخاص المسممين لمتعة الحياة من سلبيين ولصوص طاقة ونكديين، مع تقديس الجمال، ومحاولة اصطياده في كل الفنون والمجالات كتابا أو ثوبا أو أثاثا أو بلدا أو موسيقى...

معظم التعساء تعساء لأنهم ضحايا العقل الجمعي الروتيني الذي تعودوا عليه، فلا يجتهدون لمعرفة أنواع السعادة في العالم، ويخافون الاكتشاف، أو عبدوا صنما في الحياة، فأصبح سجنهم الدائم، فلم يستطيعوا الخروج منه، من قبيل صنمية الشهرة أو صنمية المنصب أو صنمية المال أو صنمية العشيقة أو صنمية العادات الاجتماعية أو صنمية الحزب.

إن محاولة كسر القيد هو بداية الخروج للسعادة، والتمتع بكوكتيل الحياة المتنوع.

صل إلى الله بعقل سليم وبجسم رياضي سليم، وقلب أبيض، ومحفظة تقيك حاجة الناس، صلاة بأجمل وآنق ثوب، وبأفضل عطر، وفي أكثر مسجد روحانية، في أجمل بلد في العالم تحبه مع أفضل رفقة من أصدقاء مخلصين، ستقترب من السعادة بشكل كبير.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية