العدد 3911
الأحد 30 يونيو 2019
banner
ريشة في الهواء أحمد جمعة
أحمد جمعة
من هو العدو وأين يختبئ؟
الأحد 30 يونيو 2019

العالم لم يعد كما قيل من قبل قرية صغيرة، وهي مقولة ظهرت منذ التسعينات، ورمزت إلى الاحتواء الإلكتروني للدول والشعوب، اليوم العالم قفز من القرية إلى ثقب إبرة حيث باستطاعة أي عميل أو إرهابي أو مخترق أن يدمر بلدا بواسطة شفرة أو رمز إذا ما كان مدعوماً بتكنولوجيا الاتصال التي أصبحت وسيلة الحروب الحالية حتى قبل أن تبدأ المعارك العسكرية، فبعض الحروب تكسبها قبل أن تطلق رصاصة تجاه عدوك، بمجرد أن تخرس صوته وتمنع عنه المعرفة، وتقطع تنفسه الإلكتروني تكون قد خنقته، هكذا يسير العالم اليوم، فلا حاجة لوزارات إعلام تقليدية ولا مؤسسات توجيه الرأي، ولا لنصائح إرشادية لتجنب هذا وذاك، فعدوك كامن وراء قشرة إلكترونية يتوسع بحربه ضدك من خلال تقدمه عليك بالمعرفة فيما أنت تمنع أو تحد من المعرفة، وهذا خطأ الدول التي ترى في المعرفة خطرا وفي الجهل سلامة، لم يعد الجهل اليوم كما كان بالزمن الغابر وسيلة الحكومات الخائفة في الحفاظ على توازنها، اليوم الحكومة الواثقة والدولة القوية والنظام المتمكن هو من يتفوق بالمعرفة ويكافح الجهل ويقضي على التخلف، ويربي جيوشاً من المتعلمين والمدربين والمثقفين والعلماء وغيرهم قبل أن يبني جيوشاً من ملايين الجنود الجهلة الذين لا يفقهون سوى إطلاق الرصاصة في الاتجاه الذي تأتيهم من خلاله الأوامر.

إن فرقة من بضعة أشخاص إلكترونيين وذوي معارف بارزة متفوقة بإمكانها هزيمة جيش من آلاف الجنود بتنويم أجهزة السيطرة والتحكم العسكرية وتحييد الرادارات وتدمير البنية التحتية للدولة من خلال اختراق أجهزة الكمبيوتر بها ووقف العمل بالمؤسسات الحساسة، هذه هي الحرب القذرة السريعة اليوم التي حان الوقت لاقتحامها من أوسع الأبواب.

مناسبة هذا الكلام المختصر حول حجم العالم وحجم الذين يعيشون فيه هو ما رأيته وقرأته بالفترة الأخيرة من صراخ البعض بالمنطقة العربية، برفض المؤتمر الاقتصادي والتهديد بالعودة لحرب المقاومة والاستنجاد بالشعارات القومية والعروبية وحشد الطاقات الكلامية من أغاني وقصائد وأناشيد المواجهة، فيما السؤال: أية مواجهة وبأي سلاح؟ فالعدو اليوم ليس كما هو بالأمس؟ والأدوات لم تعد قديمة بل هي رموز وقواعد سرية وإلكترونية ومعارف تواجه جهل الآخر، فعلى سبيل التدليل فقط، اعتبر اليوم الخطر الأكبر بالمنطقة من جانب إيران هو التحدي الرئيسي، وهو خطر يتمثل بدعم الإرهاب وعدم الاستقرار الذي بدوره يعطل البناء والتنمية ويستنزف الطاقات والثروات، وهذا ما يحتم ضرورة معرفة عدوك ومعرفة من هو العدو الأساسي والعدو الثانوي، سلاح الحروب اليوم المعرفة والذكاء والاحتواء، والجهل هو عدوك الآخر إلى جانب التهديد الإيراني الجاهل.

 

تنويرة:

عندما تتشابه أفكارنا فهي دليل تخلفنا.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية