+A
A-

المهدي: نبوغ ذوي الاحتياجات الخاصة يتطلب استثمار قدراتهم وإدماجهم في سوق العمل

 

- مبدعون عرب وعالميون قدموا تجارب إبداعية من مختلف الثقافات والمجتمعات

 

- طموح الكاتبة البحرينية فاطمة حبيل تجاوز إعاقتها البصرية لتدخل مجال التدريب

نطرح في حوارنا مع أستاذ الدراسات التربوية المساعد بكلية البحرين للمعلمين بجامعة البحرين أسامة مهدي المهدي تساؤلات ومحاور عديدة تتعلق بكيفية تنمية نبوغ ومواهب ذوي الاحتياجات الخاصة، فهذه الفئة المهمة في المجتمع البحريني، حظيت خلال السنوات الماضية باهتمام الدولة، حيث أسهمت المؤسسات الحكومية والأهلية في تقديم مرئيات وبرامج وقوانين وأنظمة لضمان حصول هذه الفئة على حقوقها وكامل رعايتها.

 جلالة الملك أولى اهتمامًا كبيرًا بذوي الاحتياجات الخاصة

ولعل المحور الأهم هو معرفة الأسباب التي تسهم في نجاح ونبوغ وتميز فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، وهذا المدخل يستهل به المهدي الحديث عن أربعة عناصر أساسية تتكامل مع بعضها البعض وتؤدي في النهاية لنجاحهم وتميزهم، وأول تلك الأسباب هي:سمات الشخصية والنفسية الإيجابية التي لابد أن يتصف بها ذوي الاحتياجات الخاصة لإبراز مواهبهم وتحقيق ذاتهم، فدرب النجاح والتميز طريقه طويل يستلزم الصبر والإصرار والاجتهاد، ولتحقيق الأهداف صعبة المنال، لابد لهذه الفئة من التمتع بالاستقلالية وحب الاستكشاف والتحفيز الذاتي، ويحتاجون كذلك للثقة في النفس لكسر بعض الصور النمطية الخاطئة تصدر من قبل البعض تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة كالشفقة أو التجاهل أو الاستصغار. 

 تنمية مواهب وقدرات ذوي الاحتياجات الخاصة في كل المجالات يسهم في نجاحهم

مواطنون منتجون يخدمون الوطن

- إذن، ذلك يتطلب أيضًا معرفة الدور الأسري من جهة وكذلك دور المؤسسات التعليمية.. أليس كذلك؟

-هذا صحيح بالتأكيد، فطبيعة التنشئة الأسرية الواعية التي يحظى بها ذوي الاحتياجات الخاصة لها دور مهم جداً في تعزيز مواهبهم وقدراتهم،  فالأسرة التي تؤمن بقدرات هؤلاء الأبناء والبنات، وتسعى جاهدة لاستثمار قدراتهم، وتبذل الوقت والجهد والمال للاهتمام بهم وتلبية متطلباتهم الخاصة، لابد وأنها ستجني في النهاية ثمار عملها، والعكس صحيح كذلك، فالأسرة التي لا تولي اهتماماً كافياً بذوي الاحتياجات الخاصة ولا توفر المساندة اللازمة لهم أو تشعر بالوصمة تجاههم من الصعب أن تكتشف مواهبهم وتستثمرها على أكمل وجه.  

أما بالنسبة للخدمات التعليمية الخاصة التي تقدمها المدرسة والمؤسسات التعليمية لذوي الاحتياجات الخاصة، فهي تسهم بصورة كبيرة في اكتشاف وتبني وتطوير قدرات الموهوبين من ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد بذلت وزارة التربية والتعليم بمملكة البحرين جهوداً حثيثة في هذا المجال من خلال مشروع دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس الحكومية، وتوفير الخدمات التعليمية الملائمة للموهوبين منهم. ولا ننسى البرامج والمسابقات والمعارض التي تبرز إنجازاتهم في جميع المناسبات.   

وهناك نقطة مهمة، فلابد من متابعة الاهتمام بهم بعد تخرجهم من المدرسة والجامعة من قبل جميع المؤسسات الرسمية والأهلية، وتوفير الفرص لاستثمار قدراتهم وإبداعاتهم من خلال تقديم الفرص المناسبة لتأهيلهم وتدريبهم وإدماجهم في سوق العمل في القطاع العام والخاص، كما أن لوسائل الإعلام دور مهم في تعزيز النظرة الإيجابية لذوي الاحتياجات الخاصة من خلال عرض إنجازاتهم والتأكيد على دورهم كمواطنين منتجين يخدمون وطنهم ومجتمعهم.    

تجارب أبداعية ملهمة

- اهتممت بتشجيع قراءة الكتب الأدبية وما قدمه مبدعون عرب وعالميون "من ولهذه الفئة"، ما هي منطلقاتك هنا؟

- يتساءل البعض ما فائدة قراءة الكتب الأدبية؟ وما الذي نجنيه من قراءة قصة أو رواية أو ديوان شعر؟ وهناك من يرى بأنها مضيعة للوقت وتحليق في أحلام اليقظة، وآخرون يظنونها مجرد تمضية للوقت وتسلية، والواقع أن قراءة الأدب الراقي تعود بالنفع الكثير على قارئها، فهي توسع آفاق التفكير، وتنمي الحس الناقد، وتثري المعلومات التاريخية والثقافية، وتساهم في تقدير واحترام الثقافات والمجتمعات الإنسانية الأخرى، كما أن هذا النوع من القراءة يسهم في تنمية جوانب التذوق الفني والنقدي، ويعزز المشاركة الوجدانية مع الآخرين، وبالإمكان تقديم أمثلة متعددة من الأدب العربي والعالمي لكتّاب سطروا تجارب إبداعية أسهمت في إيصال رسائل هامة للقراء من مختلف الثقافات والمجتمعات حول ضرورة زيادة الوعي والاهتمام باستثمار قدرات ذوي الإعاقة وتطويرها لخدمة أوطانهم.

تجربة عميد الأدب العربي طه حسين

وسنبدأ مع عميد الأدب العربي طه حسين، الذي ولد في مصر، وفقد بصره في سن الطفولة، وعانى من الفقر الشديد، ولكنه رُزق ببصيرة وفكر واجتهاد صار بفضلها من أشهر الأدباء العرب في القرن العشرين، وقد قدم سيرته الذاتية وخلاصة تجربته في كتابه (الأيام) الذي يتألف من ثلاثة أجزاء، الجزء الأول يتحدث فيه عن طفولته ومعاناته في كتّاب القرية وعادات وتقاليد مجتمعه، والجزء الثاني حول دخوله الأزهر وتمرده على المناهج والأساتذة، والجزء الثالث حول دراسته في الجامعة وسفره إلى فرنسا وحصوله على شهادة الليسانس والدكتوراة ثم عودته لبلده ليعمل أستاذاً جامعياً، ثم عميداً لكلية الآداب ثم وزيراً للمعارف، وقد أضاف هذا الأديب الفذ كتباً قيمةً في مجال الأدب والنقد والفكر أثرت المكتبة العربية.

الكاتبة الأميركية هيلين كيلر

أما الكاتبة الأمريكية هيلين كيلر التي وُلِدت وهي فاقدة لحاسة البصر والسمع، فقد تمكنت من تعلم التخاطب عن طريق تلامس الأصابع واليدين والشفاه، وألفت الكثير من الكتب الأدبية أشهرها (لو أبصرت ثلاثة أيام) وهو كتاب رغم قصره إلا أنه مؤثر للغاية، وفيه تتخيل المؤلفة نفسها لو عاد لها بصرها لثلاثة أيام: في اليوم الأول وهي تنظر إلى وجوه صديقاتها وأفراد أسرتها الذين لم يتخلوا عنها في أحلك الظروف، وفي اليوم الثاني تحلم بأنها ترى شروق الشمس والمتاحف والأعمال الفنية وملامح الممثلين، وفي اليوم الثالث تتخيل بأنها ترى الأعشاب والزهور والمباني والشوارع، وتعد هذه الأمور بسيطة للمبصرين ولكنها أغلى ما يأمل به المكفوفون، وتختم قائلة :"أولئك الذين يحوزون عيوناً لا يبصرون بها فعلاً كما يجب. . من الإنسانية أن نقدر قليلاً الأشياء التي نمتلكها وقد لا نشعر بقيمتها.. إن نور البصر يعتبر من أجمل وأروع ما يدخل البهجة على النفوس".

الكاتب الفرنسي جان دومينيك

وقد قدم الكاتب الفرنسي جان دومينيك في كتابه (بذلة الغوص والفراشة) تجربة فريدة على إصرار الإنسان على مواجهة قساوة الحياة بصبر وحزم، فقد أصيب دومنيك بمرض عضال أدى لشلل جميع عضلات جسمه ما عدا رموش عينه اليسرى، وعلى سرير المستشفى اخترع أبجدية خاصة به يمليها على سكرتيرته بواسطة رمشة عينه اليسرى كحروف تتحول لكلمات وعبارات ملأت صفحات كتابه، وفي كل صفحة ينقل الكاتب أفكاره وخواطره وآلامه وحتى سخريته ومزاحه، وكان دومنيك يشعر بأنه حبيس في بذلة غوص تمنعه من الحركة، ولكن عقله وقلبه كانا يرفرفان كالفراشات في عالم الخيال والأفكار، وهناك مؤلفات أخرى عالمية لا يتسع المجال لذكر تفاصيلها، مثل كتاب (قدمي اليسرى) من تأليف كريستي بروان ويتحدث فيه عن سيرة حياته في التعايش مع الشلل الدماغي، وقصة (تيري فوكس) الذي عانى من سرطان العظام وأطلق ماراثون الأمل لدعم ذوي الإعاقة الحركية في كندا، وكتاب (الجلطة التي أنارت بصيرتي) للعالمة جون بولتي تيلور والتي تحكي فيه تجربة تعافيها من جلطة أفقدتها القدرة على النطق والتذكر.

للكتاب البحرينيين.. نصيبهم

- وماذا عن الكتاب البحرينيين.. هل رصدت مؤلفات في هذا المجال؟

-بالتأكيد.. فللكتاب البحرينيين نصيبهم من التأليف في مجال الإعاقة،  نذكر الدكتور فؤاد شهاب الذي تحدث في كتابه (حبيبتي ابنتي سميتها مريم) عن رحلته مع زوجته وابنته في تحدي الإعاقة السمعية، وانتقالها من عالم الصم إلى عالم السمع والكلام، وخبراتهم الأولى في مرحلة التشخيص، مروراً بالعلاج والتأهيل الخاص بالنطق وحالياً في تخطي الإعاقة، ولشهاب نشاط واضح مع نخبة من المختصين في دعم الخدمات الخاصة للأطفال ذوي الإعاقة السمعية في مركز الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود لتنمية السمع والنطق التابع للجمعية البحرينية لتنمية الطفولة، وفي كتاب (حلم بلا حدود) قدم الكاتب البحريني علي محمد موسى تجربته مع الإعاقة الجسدية وتناول فيه آماله وطموحه والتحديات التي واجهته وما تلقاه من دعم أسري واجتماعي، وقدم في كتابه رسالة حول ضرورة تفهم أفراد المجتمع لأبنائه من ذوي الإعاقة وتقديم الفرص المناسبة لهم للمشاركة الفاعلة في خدمة الوطن العزيز، ونختم بالحديث عن كتابين ألفتهما الكاتبة البحرينية فاطمة حبيل بعنوان "غرد يا قلب" و "عاشقة الصمت"،  تناولت فيهما سيرتها الذاتية وتجربتها مع الإعاقة البصرية وطموحها في مجال التدريب والحراك الاجتماعي للتوعية بحقوق المكفوفين ودورهم في المجتمع.

ونقول.. إن أهم رسالة تسعى هذه الكتب لإيصالها هي أن الإنسان ذو الإعاقة له عقل يتأمل، وروح تشعر، وقلم يبدع وطالما كانت لديه الطاقة والإرادة فسيحقق ذاته وينتصر على كل الصعاب. 

التطلع للمزيد من النماذج المشرفة

- كيف تقيمون اهتمام الأسرة البحرينية والخليجية والعربية على صعيد دعم الموهوبين من ذوي الاحتياجات الخاصة؟

-هناك اهتمام متزايد في بلادنا ومجتمعاتنا بذوي الاحتياجات الخاصة عموماً والموهوبين منهم خصوصاً، ويعود ذلك لانتشار التعليم والثقافة والوعي بين أفراد المجتمع، والتزام المؤسسات الحكومية والأهلية بدعم هذه الفئة مادياً واجتماعياً وتعليمياً، وكذلك لتوفر الإمكانات المادية والتكنولوجية التي ساهمت في تجاوز بعض المعوقات الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة.

ونجد الكثير من الأدلة على نجاح الموهوبين من ذوي الاحتياجات الخاصة في إبراز طاقاتهم ومواهبهم من خلال متابعة الصحف وبرامج التلفاز وكذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ونجد هؤلاء الموهوبين في كافة المجالات كالرياضةـ، والموسيقى، والأدب، والعلم، والإعلام، والعمل التطوعي. وكل هذه النتائج الطيبة يمكن أن تستثمر بصورة مضاعفة إذا تعززت العلاقة بين الأطراف الأربعة: الفرد، الأسرة، المدرسة، والمجتمع. فكلما تظافرت الجهود بين هذه المؤسسات كلما تحققت الاستمرارية في استثمار قدرات ذوي الاحتياجات الخاصة، فالفرد إذا اجتهد وعمل لوحده لكن لم يلق الاهتمام في الأسرة أو المدرسة أو المجتمع فمن الصعب أن يحقق النجاح والتميز، ونأمل بأن تستمر هذه الجهود ونرى المزيد من النماذج المشرفة من أبناءنا وبناتنا ذوي الاحتياجات الخاصة في كافة الأصعدة.