العدد 3928
الأربعاء 17 يوليو 2019
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
اللعب بأعواد الكبريت
الأربعاء 17 يوليو 2019

من يعرف منهجيتي في الكتابة يصل إلى قناعة أني مازلت أؤمن بقاعدة التشجيع لإنجازات الدولة، والمشروع الإصلاحي، ونقد أي خطأ. منذ أمد وأنا أنتقد أخطاء الوزارات حتى وأنا في مجلس الشورى وقفت أكثر من مرة وتكلمت بكل وضوح مثلا عن عدم إيماني بقانون “التقاعد الجديد”، وانتقدت وزراء كثرا من وزير المالية السابق إلى وزير العمل وسياسة وأرقام وزارته غير الصحيحة، إلى وزارة الصحة إلى الأشغال وإلى الكهرباء في الضرائب ووزارة الإسكان في مشروع مزايا السابق. وأنا أسعى لتقوية الديمقراطية البحرينية، وأراهن على مدها دائما بالأكسجين. هذه الوزارات مدحتها في أمور وانتقدتها في أمور، وسأبقى أمارس النقد. والأرشيف موجود...
ومازلت أؤمن مادمت أحب البحرين، ومشروع جلالة الملك لابد أن أسعى إلى تشجيع الإنجازات، والعمل على إصلاح أي أخطاء. السؤال الذي أطرحه، ماذا لو كتابات النقد التي أكتبها هنا، كتبها كاتب قطري في الدوحة، فهل يتحمل صدر السلطة هناك كل هذا النقد؟


إن أسلوب الاتهامات فيما طرح في برنامج يلعب بالنار مؤخرا مثير للشفقة، فدولة مبتدئة لا يمكن أن تقوم بزج قياداتها أو تحاول قيادتها في الحديث في مسائل حساسة، ومع شخصيات متطرفة لتناقش مواضيع ضخمة كما اتهمت به البحرين. قيادتنا أكبر من سم كوبرا الأخبار السامة التي بثها البرنامج. إنها سقطة قوية للجزيرة، وهناك من ضحك في القناة نفسها على ركاكة الطرح، وضعف تلصيق وتركيب سيناريوهات المعلومات. ومن خلال سيناريو البرنامج، أضحكني مقدم البرنامج، وهو يكتب حروفه على الزجاج في تقليد مبتذل للعالم الرياضي، جون ناش، الذي عرف بطريقة كتابة إبداعاته الاقتصادية على نافذة الجامعة.


أما بالنسبة للمحتوى، فمن يقرأ لميكافيلي في كتابه (الأمير)، أو روبرت غرين في كتابه (كيف تمسك بزمام القوة) يعرف جليا حجم الابتذال في التضليل المقدم في إخراج النصوص. ولأن “المعالي كَثِيرَة ُالحُسَّادِ” كما يقول المتنبي، تم تكثيف الغبار في استهداف القيادة بالذات لإخراجها “بطلة” الموقف حتى في عمليات مدبرة لضرب أمن إيران! وكأن القيادة لم يبق لها مهمات عظيمة إلا هذه الأطروحات الطوباوية الرومانسية المضحكة.


وعلى طريقة “برشوت” قناة الجزيرة “المعلوماتي الأسطوري”، كما العنقاء المعروف في نزوله على الدول، والذي دائما ما يخطئ الدوحة؛ كونها “جنة الله الديمقراطية على الأرض” نزل علينا البرنامج هذه المرة كنيزك ليخبر البحرينيين أن البحرين هي التي تستهدف الأمن الإيراني، وليس العكس، “وَكَمْ ذَا بدوحةَ مِنَ المُضْحِكَاتِ وَلَكِنَّهُ ضَحِكٌ كَالبكا” مع العذر للمتنبي.


والأمر المضحك أن البرنامج جاء ليوزع علينا مواعظ شيطنة البحرين وملائكية إيران كأنه يسوق لأفكار فيلم “Troy” المقتبس عن ملحمة هوميروس الإلياذة، والتي تحكي قصة حصار طروادة، وكما يقول علماء النفس: “إن إماءات الجسد واللباس تحكي أكثر من الكلام”. ونقول لمروجي وحاملي وشاربي البرنامج: سنكون بحرينيين، وحمديين مادام ثمة نفس يرمق أكسجين، أو دفقة روح ترنو لنمير حياة، وما هذه البرامج إلا جهد العاجز، وإن التفاف الشعب مع القيادة هو صمام أماننا. وإذا كان في سماء العرب ملوك، وأمراء نجوما سيبقى حمد وحده القمر، الذي مازلنا نراهن على حكمته، واحتياط صبره، وتحويل أي جرح خلقه الخارج إلى فرج وفرح وابتسامة كبرى لكل البحرينيين. أقول للدوحة، إن مثل هذه البرامج لا تخدم الدوحة، ولا الخليج، وإن العنترية في تسويق مثل هذه السيناريوهات المتلفزة لا تخدم لا السنة ولا الشيعة في البحرين أو الدوحة، بل ولا تخدمكم، وهي لا تعدو أن تكون رقصا على رؤوس أفاعٍ إن لدغت لن تكون بمنأى عنكم.


إن البرنامج لو كان منصفا لتجول في المنامة ليشاهد ديمقراطية التعايش في دعم المواكب الحسينية من قبل جلالة الملك، هذه البرامج التي ليس كمثلها كل دول الخليج والعالم. وإن ديمقراطية تحبو واتحادات عمالية في نمو وصحافة تتبرعم خير من أرض لا ديمقراطية ولا اتحاد ولا صحافة فيها، وهي تسوق في نرجسية إنها قبلة الديمقراطيات والرأي والرأي الآخر.


إن ما قمتم بطرحه يضحك أي مراقب ملم، ولو بقليل في الصحافة والسياسة والإخراج، فبإمكان أي دولة أن تقتطع صورا وأشخاصا وتلقنهم ما يقولون لتصنع الحدث “الأسطوري”، وإذا أردتم أن تروا البعد الحقيقي لفشل هذا البرنامج السيكوباتي السادي رغم الدعاية الخيالية الذي يعجز عن دورها “Joseph Goebbels” لم يلق صدى في أي دولة أوربية، هذا وأنتم فيه وكأنكم حصلتم على لبن نوق السبق، وحليب عصافير الأخبار السرية التي يعجز عن الحصول على عبقريتها حتى وكالة FBI والتي سوقتم لها، وكأنها ستكون فضيحة “ووتر غيت” لمخيلة لرتشارد نيكسون الجزيرة، ولكن هذه المرة -ويا لرداءة الإخراج - في مقابلة يتيمة مضحكة.


ما كنتم بحاجة إلى مخرج كمخرج مسلسل “Game of Thrones” لصنع الحدث ونسج الخيالات الفنتازية وتنانين صغار ينفخون نارا لا تحرق، ولكن قليلا من المصداقية لتكون حتى الفقاعة التي انتهت بحينها على الأقل، فقاعة حديدية لا فقاعة صابون تساعد على الشخير العام. من يريد خدمة الشعب الخليجي أو البحريني لا يشتغل على نثر الزجاج أو اللعب بأعواد كبريت الحساسيات الطائفية لصناعة الحرائق بدلا من الحدائق، والمقابر بدلا من الشقائق كما هو “الربيع العربي” الذي سوقتم له ونفختم فيه، فقاد إلى كارثة بشرية، إلى أكثر من مليون قتيل وجريح، وأكثر من 14 مليون لاجئ وخسائر أكثر من 834 مليار دولار.


إن الذي أضاع بلدان العرب هي هذه البرامج. نحن ولانتمائنا العربي والعروبي والإسلامي، سنسعى إلى لملمة القلوب بخياطة الجروح، وحلحلة الملفات التي تخدم المواطن، ونسعى إلى تعميق نهر الوحدة بين الشعب والقيادات. لا أريد الدخول في ملفات الإخوان، ولا ملفات الربيع العربي، وقصة الثراء على حساب دماء الفقراء، ولا صفقات الاستثمار في سوق بوصلة دماء الغلابة المقادين لمسالخ السياسة وشواء أحلام المهمشين في احتفالات باربكيو السياسة كما يحدث في ليبيا وفي العراق وفي تونس والحزائر وفلسطين، وكل الفضائح، لكن إذا كان ثمة سياسة تعاني عقدة الملائكية، فيجب ألا تشيطن قادة عرفوا بحب شعوبهم.


ولعلمكم، سنبقى البحرينيين مهما تداخلت القضايا، وتناثر الجرح، وعظمت أو صغرت هموم الحياة، يدا بيد مع جلالة الملك، وسمو رئيس الوزراء، وسمو ولي العهد، ممتثلين لقول الشاعر. فمن كان فوق محل الشمس موضعُه.. فليس يرفعه شيء ولا يضعُ. ويقف شعبنا الصادق سنة وشيعة محافظين على المكتسبات ونكمل النقص طوبة طوبة، وننتقد النقد البناء لأداء الوزارات بالكلمة الطيبة، وبالنقد الموضوعي وبسياسة الخطوة خطوة دون أن نقدم أبناءنا فولتير للمسالخ السياسية. واسمحوا لي بعيدا عن رومانسية الخطابات، فالبرنامج ينطبق عليه قول الشاعر المتنبي:

وإذا أشار محدثًا فكأنه
قردٌ يقهقه أو عجوزٌ تلطِم
وتراه أصغرَ ما تراه، ناطقًا
ويكون أكذب ما يكونُ ويُقِسمُ

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .