العدد 3929
الخميس 18 يوليو 2019
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
نظافة القاتل (24)
الخميس 18 يوليو 2019

سيبقى شيء من الدخان بعد احتراق العلاقة، يحكي قصة احتراق لحم بمساحة كف اليد كان يسمى قلبا... شيء سقط هنا، وشيء من تراب برج العشق المتهالك تهاوى هناك، ينبئ للوجود: أن قلبا ها هنا تحطم إلى الأبدية.

بعد سقوط تمثال الحب تبدأ مرحلة الحزن الكبير والندم. ليست لدي بشارة خير كاملة، ولا عقاقير لأي ذبيح مخدوع على مسلخ الحب لأقول له: ستعود كما كنت معافى! نعم ستعيش، لكن سيبقى قلبك معوقا ما لم تعالجه بكوكتيل الحياة.


يقول مظفر النواب “ولست على أحد نادمًا غير قلبي، فقد عاش حبا معاقا”. بعد انهيار البرج قد تبقى بعض ملامحه، شيء من أسمنت الذكريات المتشظي، حجارة تستعذب الوقوف أمام باب النسيان... رمل ومياه على هيئة دموع تتدفق من بقية أنابيب قلب مهترئة... كل ذلك سيحدث.. قد تحيا من جديد لتعيش أياما سعيدة لكن ستبقى الذاكرة وكل المشهد حاضرا في الوحل، ولكن هذا لا يعني الاستسلام، فكم هو أحمق من يبني مزارا لعشق، حجارته كذب وخداع كي يلقي عليه القرابين، وأحمق منه من يعيد التجربة مع كائن بشري يسمى”إنسانا” وفي علم الفلسفة يسمى “حيوانا ناطقا”. ديدنه الاغتيال، فلا تعيدها. أحبب نفسك وكفى! كما يقول الجواهري بعد فضيحة الخداع:


كم تودّين لو خنقتِ صَدى الحبِ بيننا
وتحينتِ قبرَه وهو حيٌّ بمغتنا
للذي صاغَ واعتنى وبنَى منك ما بنـَى
وتبنّـاكِ مقطعًا من نشيدٍ وأحسنـا
والذي شاءَ أن يكونَ لك القتـلُ ديدنا
أرقبُ الصّبحَ موهِنًاودُجى الليلِ مُوهنا


‎لا صَدى هاتفٍ يرنُ ولا الجَرْسُ مؤذنَا. ستتحول الذكريات إلى حيات، والهدايا إلى رزايا، والأشواق إلى أشواك، والقبلات إلى صفعات والحنين إلى سكين، ولكن لابد من الانتقام بالتمسك بالفرح.


يقول رئيس زيمبابوي روبرت موغابي “لا توجد فتاة تفضل عضلات البطن الست على ست سيارات، لذا توقف عن الذهاب إلى صالة الرياضة واذهب إلى العمل”.


الإصرار على النسيان ينتج فائض احتمالات كما هو تعبير المفكر الروسي فاديم زيلاند. دع الحياة تسير، ولا تلح على مقاومة النسيان، دعه يرحل بانشغالك بالأجمل، وإعادة ترتيب الأولويات. يقول ميشيل دي مونتين “لا شيء يُرسخ الأشياء في الذاكرة كالرغبة في نسيانها”.


لا تكن جائعا إلى الجوع أو تبحث عن “نظافة القاتل” كما هي روايات الروائية البلجيكية آميلي نوثومب في روايتها “بيوغرافيا الجوع”. إنهم لا يبحثون عن نمير الحب المتدفق من قلبك بقدر تدفق دراهمه ودولاراته. كثيرات هي دجاجات الحب التي تبيض ذهبا، ويتم خداعها. وكم من عشيق أو عشيقة تكدست عليهم القروض لأجل بناء حب وهمي، والقوي من يغلق الخزانة ويفرغها على سعادته.


يقول أبو الاقتصاد آدم سميث “الثروة ليست لمن يجمعها، بل لمن يستمتع بها”. هم يأخذون مالك ليستمتعوا به مع غيرك. ويقول الأمير “هلك خزان الأموال”. أنت المخرج لفيلم حياتك، وأنت من يحدد كيف تكون النهاية، فإذا كنت كالطبيب الماهر في إجراء عملية جراحية ناجحة لحياة جديدة كما الجراح لابد أن تمتلك عين نسر وقلب أسد ويد امرأة.


تعود أن تكتفي بنفسك، فأنت في زمن المزاجية والاستغناء بسهولة. فالحل بعشق الله، وفك الارتباط كاملا وسحب مخدرات الحب من الدم ومعهم، وبهذا الوهم التعلقي، والابتعاد عن كل المشتركين في جريمة إثراء الآخرين بأموالك من بيع الأغاني والمسلسلات الخادعة التي تسوق على حساب وجعك. قم بإتلافها، وعش كوكتيل الحياة، وحافظ على ما تبقى من شخصيتك من طوب. لا تخافوا من الوحدة والضياع، فقد كان ضياعكم أكبر.

والمتنبي يقول في شعره “وكم ذنب مولدُّه دلالٌ.. وكم بُعد مولدُّه اقترابُ”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .