+A
A-

الاحتفال بلعبة شغلت خليفة المسلمين عن دفن أخيه!

تحيي جهات رياضية واجتماعية وحكومية من مختلف أنحاء العالم، اليوم العالمي للشطرنج، بعدما أقرّته اليونسكو عام 1966، ليكون الاحتفال به، في العشرين من تموز/يوليو، من كل عام.

وتأسس الاتحاد الدولي للشطرنج بتاريخ 20 تموز/يوليو عام 1924، في فرنسا، ليتم اختيار يوم تأسيسه، يوما عالميا للاحتفاء بهذه اللعبة التي يتم العمل على جعل عدد لاعبيها، مليار لاعب، وفق اتحاد اللعبة الدولي الذي يترأسه الآن، الروسي أركادي دفوركوفيتش، منذ عام 2018.

وكان أول رئيس للاتحاد المذكور، هو الدبلوماسي الهولندي والحكم الدولي باللعبة، ألكسندر روب، وامتدت فترة رئاسته من عام 1924 حتى عام 1949.

بدوره احتفى الاتحاد الدولي لكرة القدم، الفيفا، عبر حسابه التويتري، السبت، بيوم الشطرنج، فأطلق تغريدة يتمنى فيها السعادة للجميع في هذه المناسبة، عبر هاشتاق حمل اسمها، لا تزال تتوالى عليه المساهمات من مختلف أنحاء العالم، وبمختلف اللغات.

خليفة المسلمين يؤجل دفن أخيه!

يختلف على تاريخ لعبة الشطرنج، ويتنازع على ملكيتها ما بين أكثر من أمة، من الهند إلى الصين وإلى بلاد فارس، إلى مساهمة العرب والمسلمين الفعالة بتاريخ هذه اللعبة، كما ذكرت مواقع دولية احتفت بهذا اليوم. إلا أنها تعتبر اللعبة الذهنية الأهم، على مستوى العالم، وبذلك هي ليست مجرد لعبة أو تسلية، بل عبارة عن تسلسل منطقي رياضي مفتوح الاحتمالات، ولا يمكن التفوّق بها، سوى بالقدرة على الربط المتواصل ما بين حركة الطرفين المتضادين، ذلك أن كل نَقلة، تُغيِّر التسلسل المنطقي للاحتمالات.

واهتم العرب والمسلمون بالشطرنج، إلى درجة أن بعض مؤرخي اللعبة في أوروبا، يرون أن انتشارها في العالم الإسلامي، كان كبيرا إلى درجة الاعتقاد كما لو أن العرب قد اخترعوها. ويظهر من مصنفات التاريخ العربي وكتب التراجم، أن اللعبة استهوت خلفاء وقادة كباراً، كانوا يلعبونها في شكل دائم، بل إن أحد خلفاء بني العباس، قد طلب تأجيل دفن شقيقه القتيل، حتى يفرغ من اللعبة!

وذكر ابن كثير الدمشقي في (البداية والنهاية) أن تعلّق الخليفة العباسي المعتزّ، بتلك اللعبة، وصل حدّ إرجاء دفن أخيه المستعين الذي كان ينازعه الملك. فقيل له: "هذا رأس المخلوع" فقال: "ضعوه حتى أفرغ من هذا الدست. ولمّا فرغ، نظر إليه، وأمر بدفنه!"

حسناء وتلعب الشطرنج

وكانت الشطرنج لعبة أثيرة عند الخليفة العباسي الرشيد، بحسب (الأغاني). وبحسب (معجم الأدباء) لياقوت الحموي، فالشطرنج هي لعبة الخليفة المعتضد. وكان مجيد تلك اللعبة، مشهوراً، أيا كان، فإذا حلّق بها، قيل عنه "أحسن من يلعب الشطرنج" امرأة أو رجلاً. ومن النساء في دُور الخلافة العباسية من أتقن اللعبة، كعريب المأمونية التي يتحدث ابن كثير عن أوصافها الجميلة، ثم يقول إنها خير من لعب الشطرنج.

والقائد الإسلامي الشهير صلاح الدين الأيوبي، يعتبر من البارزين المتمكّنين في تلك اللعبة. واهتم بها شعراء عرب، فأدخلوها في إبداعهم، واستلهموا منها حكماً عميقة، كمثل ما قاله الشاعر الكبير أسامة بن منقذ، بعدما استأذن صلاح الدين الأيوبي الذي كان يخوض إحدى "معاركها" وفق ما قاله الحموي في معجمه:

انظرْ إلى لاعب الشطرنج يجمعها
مغالباً ثم بعد الجمع، يرميها
كالمرء يكدح للدنيا ويجمعها
حتى إذا ماتَ خلاَّها وما فيها!

عشقها الكتّاب والنحويون

واللعبة كانت أثيرة لدى المصنفين العرب الكبار، كالصولي صاحب مصنف أدب الكتّاب، وهو محمد بن العباس بن صول المتوفى سنة 335 للهجرة. وقال عنه الحموي في معجمه، إنه كان أفضل من يلعب الشطرنج في زمانه.

وكان يلعبها أهل النحو العربي، ومنهم من بمنزلة أبي علي الفارسي، كالنحوي الخشاب، عبد الله بن أحمد بن نصر المتوفى سنة 567 للهجرة، وكان يهوى اللعبة إلى درجة ممارستها مع العوام، على قارعة الطريق! بحسب معجم الحموي المسمى أصلا: (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب). وكان في تاريخ العربية، من دخلت الشطرنج في نسبه، فيقال فلان الشطرنجي، كالشطرنجي العروضي الضرير أبي الرجاء، وكأبي حفص الشطرنجي الذي يقول عنه (الأغاني) إنه كان شغوفا بالشطرنج.

عربي يهزم ملكاً

وأكبر جولة للعرب، قديماً، في الشطرنج، كانت بفوز محمد بن عمار القضاعي الأندلسي، على الملك ألفونس، صاحب قشتالة، ونسج الرواة كثيرا من المبالغات حول تلك الواقعة، إلا أن الثابت تاريخيا، هو فوز القضاعي، على الملك المذكور.

ولأرض الهند وما جاورها، شغف قديم باللعبة، وترى مصادر نسبة اللعبة إليهم دون غيرهم.

وقال المؤرخ المسعودي في كتابه (أخبار الزمان) إن أهل (سرنديب) وهي سيرلانكا حاليا، أكثر عملهم بالنرد والشطرنج.

ويأتي اهتمام العرب والمسلمين بالشطرنج، انطلاقا من شغفهم أصلا، بعلم الرياضيات، حيث اشتهرت اللعبة عندهم، في الوقت الذي كانت فيه الرياضيات والأرقام، في أبهى عصورها العربية، إلى جانب ما تعنيه الشطرنج، من هزم للخصم، خاصة وأن أدواتها التي يتم اللعب من خلاها، هي الجنود والقلاع والملوك والوزراء، فاتحد العامل العسكري بالرياضي، في جعل تلك اللعبة، الأولى عند العرب. فبرعوا بها وراجت بين ظهرانيهم، إلى درجة التبس فيها الأمر، على البعض، واعتقد أنها عربية المنشأ.

ويوجد في كل بلد عربي الآن، اتحاد للشطرنج، وللعرب حاليا مساهمات عالمية أحرزوا فيها بطولات هامة، كرانيا العباسي التي كانت بطلة سوريا والعرب، باللعبة، وقام نظام الأسد باعتقالها وجميع أفراد أسرتها وأطفالها، في آذار/ مارس عام 2013، ولا يزال مصيرها ومصير أطفالها، مجهولاً حتى الآن.